للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبين الله تبارك وتعالى أن النكاح وملك اليمين هما طريقا الطهر والعفة وأن ما عداهما طريق للفواحش والرذائل.

ولذلك فإن المجتمع الذي يستعف عما حرم الله هو مجتمع طاهر نظيف, ينعم بالأمن الخلقي والفكري في بيته وأسرته, فقد استغنى بالحلال عن الحرام ولا يفكر في إشباع غريزته إلا بما شرع الله له, أما المجتمع الذي طرح العفة عن نفسه فلا يخلو من فساد ودنس, فهو يحاول إشباع رغبته بغير حساب (١) ولذلك فهو مجتمع منحط إلى دركات البهيمية متوعد بعقاب الله.

وقد ضرب القرآن لذلك مثلا في قصة قوم لوط عليه السلام وما حصل منهم فقد كانوا يأتون الذكران من العالمين, وقد وعظهم لوط عليه السلام, فقال تعالى: {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨)} [هود: ٧٨] , فبين لهم عليه السلام أن الزواج عفة وطهارة, ودل على أن فعلهم رجس, وبين أثر هذا الفعل على انحطاطهم العقلي كذلك بقوله: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} , فنفى عنهم الرشد الذي تصلح به المجتمعات وتنهض, فاستوجبوا عقوبة الله تعالى لهم.

ويظهر لنا ذلك من خلال مايلي:

• المطلب الأول: الاستعفاف لمن لا يستطيع النكاح.

ولما كان النكاح لا يستطيعه كل أحد فقد أمر الله عباده الذين لا يقدرون على النكاح بالاستعفاف عن الحرام فقال: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٣]. أي: بالاجتهاد في الاستعفاف والامتناع عن أي وسيلة تفضي إلى المحرم, ومن الوسائل في ذلك ما أمر الله به الرجال والنساء من غض الأبصار, وعدم تبرج النساء في قوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٣٠) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ


(١) انظر: في ظلال القرآن (٤/ ٢٤٥٥).

<<  <   >  >>