للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالصبر يدل على شجاعة النفس وقوة عزمها، وعظم إبائها، وشدة حفاظها. وهذا كله يستحسنه العقل، ويندب إليه الشرع وقد جعل الله تعالى أجر الصابر موفاة

بغير حساب. (١).

والصبر عن نكاح الإماء خير للعبد من أن يسترق ولده, ولا تخلص له زوجته لأن حق الموالي لهن أقوى في استخدامهن حضرا وسفرا كما أن ترك ذلك أرفع له عن الابتذال, فالصبر على مكارم الأخلاق أولى وأرفع للعبد (٢).

كما أن الأمَة قد تضيِّع مصالح البيت وشؤون تدبيره مما ينغص على الزوج عيشه فالصبر خير له, كما قال الشاعر:

إذا لم يكن في منزل المرء حرة ... تدبره ضاعت مصالح داره (٣)

وفي الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (إذا نكح العبد الحرة فقد أعتق نصفه وإذا نكح الحر الأمة فقد أرق نصفه) (٤).

وبهذا يتبين أهمية الصبر وفضله وأن العبد يجب أن يتحلى به.

• المطلب الثاني: الصبر عن فتنة الزوجة والأولاد:

وإذا أنجز الله لعبده ما وعده من تيسير النكاح, فلا يظنن المسلم أن هذا نهاية عهده بالصبر, بل هو مقبل على حوادث لا غنى له عنه, فإن الصبر هو الحل الأمثل والعلاج الرباني الذي أمر الله تعالى به, فلئن صبر العبد في بداية أمره حتى أنعم الله عليه بالنكاح, فإنه يحتاج في التعامل مع زوجته وأولاده إلى الصبر وقد يكون هذا الصبر صبرا عن معصية الله, وقد يكون صبرا في طاعة الله.

وقد بين الله تعالى ذلك فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)} [التغابن: ١٤].


(١) {البحر المحيط (٣/ ٣١٤).
(٢) {انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٢٤٣) , روح المعاني (٥/ ١٢).
(٣) ينسب هذا البيت لعلي بن طالب رضي الله عنه ومطلع قصيدته: (رأتك الليالي يابن آدم ظالما .. )
(٤) {أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (انظر: الدر المنثور ٤/ ٣٤٤).

<<  <   >  >>