للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: ٣٣].

فإذا لم يقدر المسلم على النكاح إما لفقره أو فقر وليه, أو مُنِع من التزويج فقد أمره الله أن يصبر ويستعف عما حرم الله, وأن يشتغل بالأسباب التي تصرف عن قلبه الخواطر والأفكار (١) كما قال - صلى الله عليه وسلم - (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (٢).

وقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: (هُوَ الرَّجُلُ يَرَى الْمَرْأَةَ فَكَأَنَّهُ يَشْتَهِي, فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْيَذْهَبْ إِلَيْهَا فَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ مِنْهَا, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَلْيَنْظُرْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى يُغْنِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٣).

وقد وعد الله من صبر واستعف أن يغنيه من فضله وأن ييسر له أمره ويفرج كربه لئلا يشق عليه ما هو فيه. (٤)

فإذا طال بالإنسان ما يجد من عدم وجود سعة وقدرة على النكاح, ولم يطق الصبر عن الجماع وخشي العنت والحرج على نفسه والوقوع في الإثم فإن الله قد أباح له أن ينكح ملك اليمين, ولكن الصبر خير له وأفضل حتى يغنيه الله جل وعلا فينكح الحرائر, كما قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)} [النساء: ٢٥]

فختم الله جل وعلا الآية بالتأكيد على خيرية الصبر وأن من جاهد نفسه عن الوقوع في الحرام فهو خير له من نكاح ملك اليمين.


(١) {انظر: تيسير الكريم الرحمن, (ص ٥٦٧).
(٢) سبق تخريجه (ص ٣٢)
(٣) {تفسير ابن أبي حاتم (٨/ ٢٥٨٢).
(٤) {تيسير الكريم الرحمن (٥٦٧).

<<  <   >  >>