للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالاستفهام يتضمن الإنكار على من امتنع عما أباح الله تعالى له, و يتضمن الإنكار على من يتبع هواه فيقول: (ما ذبح الله بسِكِّينهِ خير مما ذبحتم بسكاكينكم) قولا على الله تعالى بغير علم لأن الحكمة إخراج ما حرمه الله علينا من الدم بخلاف ما مات حتف أنفه (١).

ولكن الحق: أن اتباع أمر الله تعالى خير من اتباع الأهواء, وهذا هو التقوى ولذلك قال تعالى في الآية التالية: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)} [الأنعام: ١٢٠].

فالتقوى الحقيقية هي التقرب إلى الله بترك الآثام والمعاصي الظاهرة والباطنة التي حرمها الله تبارك وتعالى لا بترك الحلال الطيب. (٢)

كما أن من تقوى الله عدم الاعتداء فيما هو حق له عز وجل, وهو التحليل والتحريم فهو أعلم بما يصلح العباد.

وقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى قتادة أنه قرأ قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧)} [المائدة: ٨٧] فقال: (منْ حَرَّمَ حَلالَ اللَّهِ فَقَدْ أَحَلَّ حَرَامَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) (٣).

• المطلب الثالث: التقوى باعثة على امتثال أمر الله عز وجل والثبات على دينه.

قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)} [المائدة: ٩٣].

لقد كان بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يشربون الخمر قبل أن يُحرَّم ويتداولونه بينهم وفي أنديتهم, ولكن إيمانهم بالله وتقواهم له غلب ما يشتهونه, فلما نزل تحريم الخمر وسمعوا المنادي ينادي بتحريمه, ما كان منهم إلا أن امتثلوا في الحال, بل إن بعض الصحابة مجَّ ما كان في فمه فور سماع تحريم الخمر.


(١) {انظر: البحر المحيط (٤/ ٢٧٣) , الجامع لأحكام القرآن (٩/ ١٠) , العذب النمير (٢/ ٦٢٤)
(٢) {انظر: الجامع لأحكام القرآن (٩/ ١١) , التحرير والتنوير (٨/ ٣٧).
(٣) {تفسير ابن أبي حاتم (٤/ ١١٨٨).

<<  <   >  >>