للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن الآية تدل على أن أكل الطيبات واللذائذ لا ينافي التقوى.

وقد ورد النهي الصريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن يزهد عما أحل الله له فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا عن عمله في السر, فقال بعضهم: لا أتزوج النساء, وقال بعضهم: لا آكل اللحم, وقال بعضهم: لا أنام على فراش.

فحمد الله وأثنى عليه فقال: (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) (١) , وفي لفظ من حديث عائشة رضي الله عنها: (ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو الله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية) (٢).

فأعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه وإن غفِر له إلا أن ذلك لا يمنعه من التعبد لله.

فكل فعل يفعله - صلى الله عليه وسلم - من عزيمة ورخصة فهو فيه في غاية التقوى والخشية, لم يحمله التفضل بالمغفرة على ترك الجد في العمل قياما بالشكر, وما ترخص فيه فإنما هو للإعانة على العزيمة ليعملها بنشاط.

وبهذا يُعلم أن التنزه مما ترخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس من التقوى في شيء, بل قد يكون من أعظم الذنوب وأخطرها على العبد (٣).

وقد أنكر الله عز وجل على من امتنع عن أكل الطيبات تزهدا وتمنعا بلا حاجة أو لما يلقيه أهل الضلال من الشبهات فقال: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩)} [الأنعام: ١١٩].


(١) {رواه مسلم في صحيحه, في كتاب النكاح, باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه, برقم (١٤٠١).
(٢) {رواه البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة, باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلو في الدين والبدع, برقم (٦٨٧١).
(٣) {فتح البار ي (١٣/ ٣٤٢).

<<  <   >  >>