للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: تحقيق العدل]

جبلت النفس البشرية على الشح والحرص كما قال تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: ١٢٨]. والشح المذموم هنا هو حرص العبد على المال والممتلكات مما يؤدي إلى ضياع الحقوق (١) , وقد بين الله تبارك وتعالى أن الفلاح في وقاية العبد نفسه من الشح فقال: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} [الحشر: ٩].

فبالشح يقع الظلم بين الناس فيؤدي إلى فساد المجتمع وأكل المال بالباطل, فإذا أطلق الإنسان العنان لنفسه في طاعة شحها فقد هلك وظلم وجانب العدل, فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (ثلاث مهلكات: شح مطاع, وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه من الخيلاء, وثلاث منجيات: العدل في الرضا والغضب, والقصد في الغنى والفاقة, ومخافة الله في السر والعلانية) (٢).

فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الهلاك في الشح المطاع أما النجاة ففي العدل على كل حال, و لما كان المال أغلب ما يوقع في الشح (٣) , كان العدل أعظم ما يعالج به البخل والظلم.

ولقد شرع الله العدل لحكمة عظيمة وهي صلاح المجتمع, فبالعدل قامت السماوات والأرض, وشرعه الله ليقوم الناس به في معاملاتهم وسائر شؤون حياتهم كما في قوله:


(١) انظر: البحر المحيط (٣/ ٥١٦) , أضواء البيان (١/ ٢٥١).
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس, برقم (٥٤٥٢) , والبيهقي في شعب الإيمان, باب في الخوف من الله تعالى برقم (٧٤٥) (١/ ٤٧١) , وأبو نعيم في الحلية (٢/ ١٥٩). ورواه الطبراني كذلك في الأوسط عن ابن عمر برقم (٥٧٥٤) , والبيهقي أيضا في شعبه عن أبي هريرة, فصل في الطبع على القلب برقم (٧٢٥٢) (٥/ ٤٥٢) , ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه موقوفا عن عمر رضي الله عنه في كتاب الفتن برقم (٣٧٥٧٢) بلفظ (إن أخوف ما أتخوف عليكم شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء برأيه وهي أشدهن) (٧/ ٥٠٣) , قال الألباني رحمه الله: حسن لغيره. (انظر: صحيح الترغيب والترهيب ١/ ١٢).
(٣) انظر: أضواء البيان (٥/ ٤٠١).

<<  <   >  >>