للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: التيسير في إباحة الطلاق]

إن من حكم النكاح العظيمة حصول المودة والرحمة بين الزوجين فإذا وجدت المودة والرحمة تحقق الاستقرار الأسري, وقد تحصل من الخلافات بين الزوجين ما لا يستطيعان به أن يعيشا حياة مطمئنة, لذا فإن من المشقة العظيمة أن تستمر حياتهما كذلك لما يحصل فيه من تضييع الحقوق وعدم حصول الغاية من النكاح.

وللمسلم أن يتأمل المشقة العظيمة التي تحصل إذا كان الطلاق محرما أو ممنوعا, وما يلحق هذه المشقة من حصول المفاسد المحرمة, وله أن يتأمل الحرج الشديد إن كان مسموحا به دون قيد أو شرط, فيطلق متى شاء ويراجع متى شاء.

وتتجلى هذه المشقة فيما ترويه عائشة رضي الله عنها قالت: (كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا أرجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني ولا آويك أبدا, قالت: وكيف ذاك؟ قال أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك) (١) , فلم يكونوا ينتهون عن الطلاق حتى أنزل الله قوله: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩].

وبهذا انتقل الطلاق من كونه مشقة وتعذيبا للمرأة إلى كونه تخفيفا وتيسيرا لكلا الزوجين وأصبح للرجل أن يراجع زوجته ما دامت في العدة مرتين فإذا طلق الثالثة بانت منه زوجته وهذا خلاف ما كان من عادة الجاهلية (٢).


(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٤/ ٥٤٠) , وابن أبي حاتم (٢/ ٤١٨) , والترمذي في سننه كتاب الطلاق برقم (١١٩٢) , والحاكم في المستدرك, كتاب التفسير-سورة البقرة برقم (٣١٠٦) , وقال هذا حديث صحيح الإسناد, وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الطبري.
(٢) انظر: تفسير القرآن العظيم (١/ ٦١٢).

<<  <   >  >>