[المبحث الأول: تقوى الله عز وجل]
إن القارئ لكتاب الله عز وجل لا تكاد تمر عليه سورة إلا ويقرأ فيها الأمر بالتقوى والحث عليها، فما من حكم يشرعه الله عز وجل إلا كانت التقوى مصاحبة له, وداعية إلى القيام به وامتثال أمر الله فيه , ومرشدة العباد إلى الصلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.
تأتي هذه الإرشادات الربانية لتبني حياة العبد كلها على تقوى الله بامتثال أمره واجتناب نهيه.
ولما كان الإنسان مكوّنا من جسد وروح, والروح ممتزجة بالبدن امتزاجا لا تنفك عنه إلا إذا أراد الله عز وجل, وكانت سلامة الإنسان بما يقتاته من الطعام والشراب, فدل هذا على أن ما يطعمه العبد يؤثر على روحه التي بين جنبيه, ولذلك فإن الله عز وجل أباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث فإن كان ما يطعمه العبد طيبا ظهر أثر ذلك في طبيعته وتعامله, وعلى العكس فإن كان مطعمه خبيثا أثر ذلك في سلوكه وتعامله. (١)
ولذلك جاءت آيات الأطعمة مشتملة على الأمر بالتقوى والحث عليها مرشدة للعبادة وقائدة لهم لما فيه النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
ويتبين ذلك من خلال ما يلي:
• المطلب الأول: التقوى سبب في تحري الطيب الحلال والبعد عن الحرام.
قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤)} [المائدة: ٤].
فقد بين الله لعباده في الآية السابقة على هذه الآية ما هو محرم عليهم من الأطعمة إلا ما اضطروا إليه وفي هذه الآية بين الله تبارك وتعالى ما أحل لهم من الطيبات من الرزق
(١) {انظر: إحياء علوم الدين (٢/ ٥).