للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويدل على ذلك أيضا ما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (يردُّ من صدقة الحائف في حياته ما يرد من وصية المجنف عند موته) (١).

• المطلب الثالث: الرضا بحكم الله وامتثال أمره.

ويتضح ذاك في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ..... وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (١١)} [النساء: ١١].

وهذه الآية هي آية المواريث التي بين الله فيها ميراث الأولاد والوالدين وقدّر نصيبهم من تركة الميت, وقد ختمها الله عز وجل بقوله: (إن الله كان عليما حكيما).

وحكمة ختم الآية بهذين الاسمين المشتملين على صفتي العلم والحكمة لله سبحانه وتعالى, لِما في ذلك من إرشاد الخلق إلى امتثال أمر الله جل وعلا في تقديره للمواريث وفرضها على عباد الله لكونها تشريع ممن هو أعلم بعباده إذ هو خالقهم, وهو الحكيم الذي أحكم هذه القسمة, و له الحكمة البالغة في تقدير ما يصلح العباد وما ينفعهم, فلا مجال لمن آمن بذلك إلا التسليم والرضى.

يقول ابن جرير رحمه الله حول هذا المعنى: (وأما قوله: (إن الله كان عليمًا حكيمًا): فإنه يعني جل ثناؤه: إنّ الله لم يزل ذا علم بما يصلح خلقه، أيها الناس، فانتهوا إلى ما يأمركم، يصلح لكم أموركم. "حكيما"لم يزل ذا حكمة في تدبيره، وهو كذلك فيما يقسم لبعضكم من ميراث بعض، وفيما يقضي بينكم من الأحكام، لا يدخل حكمه خَلَل ولا زلل، لأنه قضاء من لا تخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعاقبة). (٢)

ولربما خطرت للنفس خاطرة بأن التركة لو قسمت على غير هذا الوجه لكانت أنفع وأولى, كما كان أهل الجاهلية يورثون الرجال دون النساء, أو يورثون من الرجال من يحمل السلاح أو نحو هذا, فبين الله _ جلت حكمته _ شيئا من هذه الحكم حتى تطمئن


(١) {أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٣٠٣) , بسند صحيح (التفسير الصحيح ١/ ٢٨٥).
(٢) {جامع البيان (٧/ ٤٩).

<<  <   >  >>