ولما كان الأمر في الجاهلية بهذه المنزلة أمر الله عباده المؤمنين باجتناب ظلم اليتيمة, ثم حثهم على فعل الخير فقال: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (١٢٧)} وفي هذا إشارة إلى سعة علم الله واطلاعه على عباده, وهذا يدعو العبد إلى مراقبة الله والخوف من عقابه إن هو عضلها أو ظلمها.
و في الآية دعوة كذلك إلى المنزلة العليا من المراقبة وهي الإحسان إلى اليتيمة بأن يتطلب لها الولي من هو خير منه, أو لا يرد مَن طلبها فإن الله عز وجل وعد على ذلك بأحسن الجزاء فقال: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦)} [النحل:٩٦].
ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ الناس بالدرجة العليا في هذا المعنى فكان إذا سأل الوليَّ عن مولاته فقيل: هي غنية جميلة قال له: اطلب لها من هو خير منك وأعْوَد عليها بالنفع. وإذا قيل: هي دميمة فقيرة قال له: أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك (١).
• المطلب الرابع: استحضار مراقبة الله تعالى حال الخصومة بين الزوجين.
ويتضح ذلك جليا في حال المجادلة مع زوجها التي أنزل الله فيها قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢)} [المجادلة: ١ - ٢].
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء، إني لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني