للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النفس وتسلم لأمر الله فقال: (لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا) فأنكر عز وجل علمهم بما هو أنفع لهم وبين أنهم لا علم لهم بحقيقة النفع, فبعضهم قد يرى النفع كما كان يراه أهل الجاهلية, وبعضهم قد يغلب جانب الأبوة أو جانب البنوة, واعتمدوا في ذلك على أسباب غير منضبطة فرد الله عليهم أنهم لا يدرون من هو أنفع لهم. (١) وهذه حكمة واحدة من حكم العليم الحكيم سبحانه وتعالى, ولذلك فقد تكفل الله فرض هذه الفرائض بنفسه تعالى وكفانا مؤونة الاجتهاد وأمرنا بما يصلحنا وهو الانقياد له سبحانه (٢).

فختم الآية بقوله: (إن الله كان عليما حكيما) إنما هو تعليل لفريضته وهي كقوله تعالى للملائكة {قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٠)} [البقرة: ٣٠]. حين أخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة, فقالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. (٣)

وفي الآية التي تليها ختمها الله عز وجل بصفة العلم مقرونة بصفة أخرى ألا وهي صفة الحلم فقال: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ .... غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)} [النساء: ١٢].

فلما بين الله عز وجل في هذه الآية بقية أحكام الإرث, وبين أن هذا الإرث يكون بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية الجائزة, وأكد على النهي عن الإضرار بالورثة في الوصية, ختم الآية بقوله: (والله عليم حليم) فهو سبحانه عليم بما يصلح العباد وما يضرهم فيما فرضه عليهم , وهو عليم بنوايا العباد وأفعالهم سواء من عدل, أو من جار وظلم.

وهو كذلك حليم: أي ذو أناة عن عباده لا يعجل لهم بالعقوبة فيما يحصل منهم من ظلم (٤).

وذكر وصف العلم والحلم هنا لمناسبة أنّ الأحكام المتقدّمة فيها إبطال لكثير من أحكام الجاهلية، وقد كانوا شرعوا مواريثهم تشريعاً مثارُه الجهل والقساوة.


(١) {انظر: التفسير الكبير (٩/ ٢٢٥) , روح المعاني (٤/ ٢٢٨) , التحرير والتنوير (٤/ ٢٦٢).
(٢) {انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/ ١٢٥).
(٣) {انظر: التفسير الكبير (٩/ ٢٢٥) , نظم الدرر (٢/ ٢٢١).
(٤) {انظر: جامع البيان (٨/ ٦٨) , روح المعاني, الآلوسي (٤/ ٢٣٢).

<<  <   >  >>