للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)} [فاطر: ١٢].

فامتن الله جل جلاله على عباده في هاتين الآيتين بأن سخر لهم البحر, والتسخير: هو التذليل (١) , وهذه من أعظم النعم أن مكّن لعباده هذا البحر العظيم المتلاطم, وتلك اللجج التي تغشاها الظلمة, فجعلهم يغوصون في أعماقه, ويركبون على أمواجه (٢).

فهيأ لهم هذا التسخير, لعدة منافع, ومن أولها وأعظمها ما قال عز وجل عنه: ... {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} فجعل الله جل وعلا من تسخير البحر نعمة استخراج اللحم.

وفي وصف اللحم بالطري مزيد فائدة فإن السمك مع مكوثه في البحر الشديد الملوحة إلا أن لحمه في غاية العذوبة، فسبحان الخالق الرازق الذي أخرج الضد من الضد (٣).

ولما بين الله جل وعلا لعباده منافع تسخير البحر لهم, ختم الآية بحكمة من حكم هذا التسخير وهي شكر الله عز وجل بالاعتراف بعبوديته واستعمال هذه النعم في طاعته فقال: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (٤)

• التفكر في هذه النعم لو سلبت من العباد, كيف يكون حالهم؟

وكما عدد الله تبارك وتعالى هذه النعم على عباده مع تنوعها حتى يشكروه, فقد أمرهم بالتفكر فيما لو سلب هذه النعم حلاوتها وعذوبتها ونفعها, فجعل النبات يابسا والماء غائرا مالحا, وماذا لو جعل اللحم يابسا لا يلين إذا استنضج بالنار؟!

فأمرنا الله بالتفكر في هذه النعم لحكمة عظيمة, ألا وهي شكره على تسخير هذه المطعومات بما يجعله نافعا لنا, فقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ


(١) انظر: لسان العرب (٤/ ٣٥٢).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ٢٩٥) , أضواء البيان (٢/ ١٢٥).
(٣) انظر: التفسير الكبير (٢٠/ ٥).
(٤) انظر: التحرير والتنوير (١٤/ ١٢٠) , أضواء البيان (٢/ ١٣٦).

<<  <   >  >>