التي هي من أعظم المنافع المتكررة من الخلق, ولذلك جاء التعبير بالمضارع لاستمرار هذا الفعل وتجدده من العباد, ورغبتهم الشديدة في الأكل من هذه اللحوم (١).
وقد ختم الله هذه الآيات بما يوجب على العباد شكره والثناء عليه فقال: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (٧)} [النحل: ٧] , لأن من رحمته جل وعلا أن خلق هذه الأنعام وسخر لنا فيها هذه النعم العظيمة التي من أعظمها نعمة الطعام, فهي تعليل لقوله تعالى: ... {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} (٢).
وقد جاء في آيات أخرى ما يوجب الشكر صراحة كما في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (٧٣)} [يس: ٧١ - ٧٣].
ومن لطيف رحمة الله عز وجل وعظيم رأفته, أن نوع لعباده ما يطعمونه من اللحوم فكما أن لكل أهل بلد ما يناسبهم حسب طبيعة أرضهم وما يوجد فيها من الرزق, فقد نوع لعباده الطيبات من اللحوم فكما أحل صيد البر, وأحل بهيمة الأنعام, فقد أحل لعباده كذلك صيد البحر رحمة منه جل وعلا وفضلاً, وحتى يحصل للعباد التلذذ والتفكه بتنوع الأكل من هذه الطيبات, وهذه من النعم العظيمة التي تستحق الشكر للمولى المنعِم جل وعلا, فامتن الله على الخلق بهذه النعمة حتى يؤدوا شكرها على ما أمر فقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤)} [النحل: ١٤] وقال: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ
(١) انظر: البحر المحيط (٥/ ٦٠٨) , التحرير والتنوير (١٤/ ١٠٥).
(٢) انظر: جامع البيان (١٧/ ١٧١) , تفسير القرآن العظيم (٤/ ٥٥٧) , التحرير والتنوير (١٤/ ١٠٧).