للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد جاء في سورة عبس ما يفصل هذه المراحل ويبينها حتى تكون أدعى لتذكر النعمة وشكر المنعم, قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)} [عبس: ٢٤ - ٣٢].

فهذا أمر من الله سبحانه لكل إنسان مكلف أن ينظر ويتأمل في طعامه كالخبز الذي يأكله ويعيش به من خلق الماء الذي كان سبباً لنباته. هل يقدر أحد غير الله أن يخلقه؟ (١).

وجيء بالمضارع في قوله {أَفَلَا يَشْكُرُونَ}: مبالغة في تكرار الشكر وإيقاعه على الدوام بسبب هذه النعم العظيمة. (٢)

• نعمة تسخير لحوم الأنعام للأكل.

وكما ذكّر الله عباده بنعمة ما يطعمونه من نبات الأرض فقد ذكرهم بنعمة الأنعام وأنه خلقها لهم وأباح لهم الأكل منها فقال في سورة النعم (٣): {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)} [النحل: ٥].فلما أخبر الله قبل هذه الآية أنه خلق الإنسان, أخبر في هذه الآية ما امتن به عليه من خلق الأنعام (٤) فقال: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} أي: ما خلقها إلا لكم يا جنس الإنسان (٥).

ومن جملة النعم التي امتن الله بها على خلقه, الأكل من هذه الأنعام فقال: ... {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥)} وتقديم الجار والمجرور هنا إنما هو بيان للاهتمام بهذه النعمة العظيمة


(١) أضواء البيان (٥/ ١١) , وانظر: نظم الدرر (٦/ ٢٦٠).
(٢) انظر: نظم الدرر (٦/ ٢٦١) , التحرير والتنوير (٢٣/ ١٥).
(٣) تسمى سورة النحل: سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من النعم على عباده (الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ٢٦٦).
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٢/ ٢٧١) , تفسير القرآن العظيم (٤/ ٥٥٧) , التحرير والتنوير (١٤/ ١٠٤).
(٥) مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي (١/ ٦٧٤). وقدر رجح أبو حيان في تفسيره أن (لكم) في قوله: (لكم فيها دفء) مستأنفة وليست متعلقة بما قبلها (البحر المحيط ٥/ ٦٠٧) , وعلى كلا القولين فالآية سيقت للامتنان.

<<  <   >  >>