للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (١٣٦)} ... [الأنعام:١٣٦].

أخرج الطبري بسنده إلى ابن عباس: (جعلوا لله من ثمراتهم وما لهم نصيبًا، وللشيطان والأوثان نصيبًا. فإن سقط من ثمرة ما جَعَلوا لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن سقط مما جعلوه للشيطان في نصيب الله التقَطُوه وحفظُوه وردُّوه إلى نصيب الشيطان، وإن انفجر من سِقْي ما جعلوه لله في نصيب الشيطان تركوه، وإن انفجر من سِقْي ما جعلوه للشيطان في نصيب الله سدُّوه. فهذا ما جعلوا من الحروث وسِقْي الماء. وأما ما جعلوا للشيطان من الأنعام فهو قول الله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة:١٠٣]) (١).

وهذا الفعل منهم في غاية الجهل والتعالي على الله عز وجل.

ولا شك أن من خف قلبه من تعظيم الله الخالق البارئ الذي ذرأ وبرأ (٢) لهم الحرث والأنعام ليأكلوا منها, وركب سبيل الهوى فإنه يعظم ما لا يستحق التعظيم من الأوثان والأحجار بل ويقدم لهم القرابين التي خلقها الله وأوجدها, فأين تعظيم الله تبارك وتعالى؟!!

بل هذا غاية الجهل والسفه, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَلْيَقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَالْمِائَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إلَى قَوْله تَعَالَى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٤٠]) (٣).

وذلك أنهم فضلوا ما جعل لغير الله على ما جعل له سبحانه وتعالى وعظموا غير الله على الله تبارك وتعالى, ولذلك ذمهم الله تبارك وتعالى ووبخهم, وختم الآية بقوله:


(١) جامع البيان (١٢/ ١٣٢).
(٢) ذرأ وبرأ بمعنى خلق إلا أن برأ لها من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لغيرها (انظر: لسان العرب ١/ ٣١)
(٣) أحكام القرآن, ابن العربي (٢/ ٧٥٢).

<<  <   >  >>