للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يثقوا بعناية الله بهم فيمتثلوا أمره إذا دعاهم, والإحياء مستعار لما يشبه إحياء الميت، وهو إعطاء الإنسان ما به كماله، فيعم كل ما به ذلك الكمال من إنارة العقول بالاعتقاد الصحيح والخلق الكريم والدلالة على الأعمال الصالحة وصلاح الفرد والمجتمع, ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخلوا عن إفادة شيء من معاني هذه الحياة, أمر الله الأمة بالاستجابة له، فالآية تقتضي الأمر بالامتثال لما يدعو له الرسول - صلى الله عليه وسلم -. (١)

بل أتى النهي الأكيد والوعيد الشديد على تقديم أمر أي أحد على أمر الله ورسوله، فقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} [الأحزاب: ٣٦] ولما حصل من بعض أهل النفاق, والكفرة من اليهود ارتياب وشك، وأرادوا لمز أهل الإيمان في حادثة تحويل القبلة حين حكى الله عنهم قولهم: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} أنزل الله عز وجل: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)} [البقرة: ١٤٢] وبيّن أن البر والإيمان في الطاعة والامتثال فقال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ... الآية} [البقرة: ١٧٧] أي: أن الشأن كله في امتثال أوامر الله فحيثما وجهَنا توجهنا فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا كل يوم مرات إلى جهات متعددة، فنحن عبيده وفي تصرفه وخدامه, حيثما وجهَنا توجهْنا. (٢)

لقد وعى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الغاية العظمى وتربوا عليها ولا أدل على ذلك من سرعة إذعانهم واستجابتهم لأمر الله ورسوله حين نزل تحريم الخمر فلم يتباطؤوا ولم يتكاسلوا بل أراقوا شرابهم ومجوا ما كان في أفواههم.

شتان بينهم رضي الله تعالى عنهم وبين بني إسرائيل حين قال لهم نبي الله موسى عليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} فكان جوابهم: {قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} [البقرة:٦٧].


(١) انظر التحرير والتنوير ابن عاشور (٩/ ٣١٣).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١/ ٤٥٤).

<<  <   >  >>