للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو ما حكى الله عنهم حين قال لهم موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (٢١)} [المائدة: ٢١] فأجابوا:

{قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤)} [المائدة: ٢٤] فنسأل الله تعالى السلامة والعافية، وأن يجعلنا من الممتثلين لأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

إذا تبين هذا فعلى العبد أن يمتثل أمر الله تعالى فور سماعه وعلمه به سواء ظهرت له الحكمة أم لم تظهر لأنه تعالى أحكم الحاكمين كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (٨)} [التين: ٨] , وهو سبحانه أعلم بخلقه, {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٤] فهو لطيف بهم خبير بشؤونهم, "فحسب العقول الكاملة أن تستدل بما عرفت من حكمته على ما غاب عنها وتعلم أن له حكمة في كل ما خلقه وأمر به وشرعه" (١).

ولن يجد العالم شريعة أكمل ولا أحسن من شريعة الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} [المائدة: ٥٠] "ولو لم يأت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ببرهان عليها لكفى بها برهانا وآية وشاهدا على أنها من عند الله, وكلها شاهدة له بكمال العلم وكمال الحكمة وسعة الرحمة والبر والإحسان و الإحاطة بالغيب والشهادة والعلم بالمباديء والعواقب, وأنها من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عباده فما أنعم عليهم بنعمة أجل من أن هداهم لها وجعلهم من أهلها وممن ارتضاهم لها. " (٢)

وأما من رد حكم الله وشرعه لأنه لم تظهر له الحكمة من الأوامر الشرعية، فهذا زيغ وضلال والعياذ بالله وانسلاخ من دين الله جل وعلا، وعدم إيمان بأسماء الله وصفاته التي منها: الحكيم، والخبير، والعليم.

فوا عجبا ممن يرد حكم الله ودينه حيث لم يظهر لعقله القاصر حسنها! وهو الدين الذي فُطرَ الناس إلى الميل له، فأي خير وحسن لم يأمر به الله؟! وأي شر لم ينه عنه؟!


(١) مفتاح دار السعادة, ابن القيم (٢/ ٣١٥).
(٢) المصدر السابق (٢/ ٣٠٨). وانظر في هذا المعنى: الموافقات (٢/ ٤٧٣)

<<  <   >  >>