للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الوعيد يشمل كل من قدّم تجارته وماله فأصبحت متاجرته ومضاربته في الأموال أحب إليه مما افترضه الله عليه من الواجبات, فإذا رأى العبد من نفسه ميلا ومحبة إلى هذه الملذات على محبة الله ورسوله فليحذر أن يبيع دينه بدنياه فيكون من الفاسقين. (١)

وعلامة هذه المحبة: أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه اللّه ورسوله وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا للّه ورسوله أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه على ما يحبه اللّه، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه. (٢)

فإذا تملكت التجارة والمال قلب العبد فأصبحت شغله الشاغل وألهته عن أوامره الله فليبشر بالتعاسة, فقد أصبح عبداً لتجارته, فإن زادت أمواله فرح واستبشر , وطغى وتجبر, وإذا خسر في صفقة أو معاملة, حزن واكتأب, وقد تصيبه الأمراض والأوجاع, بل قد يموت حسرة على ذهاب ماله, وقد نسي أنه ضيع حق الله قبل ذلك, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) (٣)

فأي ربح جناه من قدم التجارة والمضاربات على حقوق الله؟!! بل هو من الخاسرين الذين وصفهم الله بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩)} [المنافقون: ٩].

• المطلب الثاني: معاتبة أهل الإيمان في انصرافهم عن خطبة الجمعة إلى البيع والتجارة.

وقد جاء القرآن معاتبا من انصرف عن خطبة الجمعة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يخطب, إلى التجارة والبيع, فقال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)} [الجمعة: ١١].


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم (٤/ ١٢٤) , التحرير والتنوير (١٠/ ١٥٤).
(٢) تيسير الكريم الرحمن (ص ٣٣٢).
(٣) رواه البخاري, كتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، برقم (٢٧٣٠) , والخميصة: كساء أسود له خطوط, وقوله: (شيك فلا انتقش) أي: إِذَا دَخَلَتْ فِيهِ شَوْكَة لَمْ يَجِد مَنْ يُخْرِجهَا بِالْمِنْقَاشِ.

<<  <   >  >>