للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقوله تبارك وتعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} أي هو الرازق لهم من غير احتياج إليهم جل وعلا (١).

وخص الإطعام في هذه الآية دون غيرها من النعم, لأن الحاجة إليها أمس, ولا غنى للخلق عنها. (٢)

وكان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الطعام, ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: دعا رجل من الأنصار من أهل قباء النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فانطلقنا معه، فلما طعم النبي - صلى الله عليه وسلم - وغسل يديه قال: (الحمد لله الذي يُطعِم ولا يَطْعَم، ومَنَّ علينا فهدانا، وأطعمنا وسَقانا وكلّ بَلاء حَسَن أبلانا، الحمد لله غير مُودّع ولا مكافَأ ولا مكفور ولا مُسْتَغْنًى عنه، الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام، وسقانا من الشراب، وكسانا من العري، وهدانا من الضلال، وبَصَّرنا من العَمَى، وفَضَّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا الحمد لله رب العالمين). (٣)

وهذا من شكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه, وثنائه عليه بهذه النعم التي تفرد بها جل وعلا. (٤)

وقد بين الله سبحانه في هذه الآية أن الإشراك, كفران للنعمة وليس شكرا لها, لأن الشكر يستلزم التوحيد والعبادة, وقد قرن الله بين العبادة والشكر عند طلب الرزق في قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ


(١) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٢٤٣).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٣٣٣) , روح المعاني (٧/ ١١٠).
(٣) رواه النسائي في السنن الكبرى, كتاب عمل اليوم والليلة, باب ما يقول إذا غسل يديه برقم (١٠١٣٣) (٦/ ٨٢) , وأبو نعيم في الحلية, من حديث بشر بن منصور (٦/ ٢٤٢). وابن حبان في صحيحه, (١٢/ ٢٢) , والحاكم في المستدرك (١/ ٧٣١) , وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وصححه الشيخ أحمد شاكر, انظر: عمدة التفسير (١/ ٧٦٥).
(٤) حمد النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتبر شكرا, ومعلوم أن الحمد والشكر بينهما عموم وخصوص, فالشكر أخص من الحمد من جهة متعلقه وهي النعم, والحمد يشمل النعم وغيرها, والحمد أخص من جهة أسبابه ووقوعه فإنه يقع بالقلب واللسان, والشكر يشمل الجوارح جميعها, قال ابن القيم رحمه الله: (فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس, وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس) (مدارج السالكين ٢/ ٥٨٠).

<<  <   >  >>