للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أم يكون مريضا, كما أنهما لا يعلمان أيكون صالحا سعيدا أم يكون شقيا - نسأل الله العافية - فلذلك تجدهما قد غلبا جانب الرجاء والطمع في رحمة الله فيدعوانه صباح مساء أن يكون صالحا بجميع ما تحمله هذا الكلمة من معاني الصلاح (١) , فإذا يسر الله لهما ما أمّلا وحقق لهما ما كانا يرجوان كان جل وعلا هو الحقيق بالشكر على هذه النعمة, وكان الانصراف عن طاعته كفرانا (٢) , وقد بينت آية الأعراف هذا المعنى بقوله:

{فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) [الأعراف: ١٨٩] (٣).

فالنكاح في ذاته يدعو العبد إلى الشكر, كما أن فيما يلحق هذا النكاح من نعم يتقلب فيها الزوجان دعوة كذلك إلى الشكر, فالشكر فيه صلاح للإنسان ونجاة في الدنيا والآخرة, كما أن في الانصراف عن شكره الخزي والعقوبة كما قال تعالى: ... {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧)} [إبراهيم: ٧].


(١) انظر: جامع البيان (١٣/ ٣٠٨).
(٢) انظر: البحر المحيط (٤/ ٥٥٨) , في ظلال القرآن (٣/ ١٤١٢).
(٣) قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: في هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير معروفان عند العلماء، والقرآن يشهد لأحدهما, الأول: أن حواء كانت لا يعيش لها ولد فحملت فجاءها الشيطان فقال لها: سمي هذا الولد عبد الحارث فإنه يعيش، والحارث من أسماء الشيطان، فسمته عبد الحارث فقال تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} أي ولداً إنساناً ذكراً جعلا له شركاء بتسميته عبد الحارث، وقد جاء بنحو هذا حديث مرفوع وهو معلول كما أوضحه ابن كثير في تفسيره , الوجه الثاني: أن معنى الآية أنه لما آتى آدم وحواء صالحاً كفر به بعد ذلك كثير من ذريتهما، وأسند فعل الذرية إلى آدم وحواء، لأنهما أصل لذريتهما كما قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} [الأعراف: ١١] أي بتصويرنا لأبيكم آدم لأنه أصلهم بدليل قوله بعده: {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، ويدل لهذا الوجه الأخير أنه تعالى قال بعده: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (١٩١)}، وهذا نص قرآني صريح في أن المراد المشركون من بني آدم، وحواء، واختار هذا الوجه غير واحد لدلالة القرآن عليه، وممن ذهب إليه الحسن البصري، واختاره ابن كثير - والعلم عند الله تعالى. (أضواء البيان ١/ ٤٣٥).

<<  <   >  >>