فتأمل .. كيف يربي الله تعالى عباده على مراقبته ويتدرج بهم حتى في أمور معاشهم وطعامهم, فإن هذه المنزلة توصل العبد إلى البعد عن المعاصي والآثام, بل تأخذ بيده إلى التزود من الطاعات حتى يكون من أهل الإحسان.
وما أجمل ما وعظ به إبراهيم بن أدهم (١)
حين جاءه سائل فقال له: يا أبا إسحاق: إني مسرف على نفسي, فاعرض علي ما يكون لها زاجراً, ومستنقذاً لقلبي قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة قال: هات يا أبا إسحاق قال: أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟ قال له: يا هذا: أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال: لا هات الثانية, قال: وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده, قال الرجل: هذه أعظم من الأولى, إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟ قال: لا هات الثالثة, قال: إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصه فيه, قال: يا إبراهيم: كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟ قال: يا هذا أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟! قال: لا هات الرابعة, قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً وأعمل لله عملاً صالحاً قال: لا يقبل مني, قال: يا هذا! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص؟! قال: هات الخامسة قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذونك إلى النار فلا تذهب معهم, قال: لا يدعونني
(١) إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، القدوة الامام العارف سيد الزهاد، أبو إسحاق العجلي, مولده في حدود المائة, حدث عن: أبيه ومحمد بن زياد الجمحي - صاحب أبي هريرة - وأبي إسحاق السبيعي ومالك بن دينار، وحدث عنه رفيقه سفيان الثوري، وشقيق البلخي، وبقية بن الوليد، ومحمد بن يوسف الفريابي، قال النسائي: هو ثقة مأمون. ووثقه الدارقطني, وقال ابن حجر: صدوق. وتوفي سنة ١٦٢ هـ وهو غاز في البحر ودفن في بلاد الروم. (تاريخ دمشق ٦/ ٣٤٩) (سير أعلام النبلاء ٧/ ٣٨٧, ٣٨٨, ٣٩٦) (تقريب التهذيب ١/ ٨٧)