للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بين الله ذلك في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ... } الآية [الأنفال: ٧٢].

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الأَنْصَارِي الْمُهَاجِرِي دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {جَعَلْنَا مَوَالِيَ} ... قَالَ: نَسَخَتْهَا { ... وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (١) [النساء: ٣٣].

فجعل الله التكافل قائما على أخوة الإسلام في بداية المجتمع المسلم, وهذا من حكمة الله وفضله على أهل الإيمان من المهاجرين الذين تركوا أموالهم ابتغاء وجه الله ووفدوا إلى أرض ليست بأرضهم, لا عمل يكسبون به, ولا مال ينفقون منه , فأبدلهم الله بإخوة خير لهم من أخوة النسب, يعينونهم وينصرونهم ويتوارثون فيما بينهم.

فلما قويت الشوكة ومكّن الله للمسلمين بعد غزوة بدر أنزل الله قوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥].فجُعِل التوارث بين القرابات وبقيت الولاية والنصرة. (٢)

قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} يعني: في الميراث جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام، قال الله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} في الميراث، فنسخت التي قلبها، وصار الميراث لذوي الأرحام (٣).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب الفرائض, باب ذوي الأرحام برقم (٦٧٤٧).
(٢) انظر: زاد المعاد (٣/ ٦٣). الرحيق المختوم, المباركفوري (ص ٢٦٣, ٢٦٤).
(٣) أخرجه الطبري في التفسير بسنده إلى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (١٤/ ٧٨).

<<  <   >  >>