للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كانت أبواب صلة الرحم كثيرة, أوجب الله على الأقرباء ما يلزمهم من هذه الرابطة العظيمة كإعالتهم عند الحاجة ومساعدتهم في الديات والتعويضات, ومن ذلك التوارث فيما بينهم إذا مات أحدهم على ما بيّن الله تبارك وتعالى في سورة النساء.

وقد نص الله على ذكر الوالدين والأقربين في بداية ذكر الميراث فقال: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧].

ولما كانت جهة القرابة متفاوتة, فمنهم القريب ومنهم البعيد, قسّم الله تبارك وتعالى المواريث حسب الأقرب فالأقرب كما هو بيّن في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} الآية [النساء: ١١]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر) (١).

والمعنى أن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب إلى الميت استحق دون من هو أبعد فان استووا اشتركوا (٢).

وبهذا يتبين ما للتوريث من تقوية لأواصر القرابة والرحم, وما يحصل بسببها من النفع في الدنيا والآخرة فإن الله تعالى قال: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: ١١].

فإن صاحب الميراث قد يعطي أحد أبنائه زيادة على الآخر ظنا منه أنه أنفع له, فنفى الله الدراية عنهم بمن هو أنفع من الآخر وجعل النفع عاما في الدنيا والآخرة. (٣) ومن أعظم النفع ما يحصل بسبب تقسيم التركة على الجميع من صلة للرحم بين الأولاد فيما بينهم وبين الأولاد والآباء أو الآباء والأولاد بعد وفاة أحدهم, كما أن في ذلك قطعا للنزاع والخلاف بين الأقرباء (٤)


(١) أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس, كتاب الفرائض, باب ميراث الولد من أبيه وأمه, برقم (٦٣٥١) ومسلم في كتاب الفرائض, باب: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر برقم (١٦١٥).
(٢) فتح الباري (١٢/ ١٦) , وانظر شرح النووي على مسلم (١١/ ٥٣).
(٣) انظر: جامع البيان (٧/ ٤٨) , الجامع لأحكام القرآن (٦/ ١٢٥) , تفسير القرآن العظيم (٢/ ٢٢٩).
(٤) انظر: محاسن الإسلام للبخاري (ص ٣٩).

<<  <   >  >>