للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة أن تطلب الطلاق من غير حاجة وعذر فقال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) (١).

ثم بعد هذا النهي استثنى تبارك وتعالى حالة يجوز فيها أن تفتدي المرأة نفسها بإعطاء الزوج ما آتاها من الصداق, وما الاستثناء بعد هذا النهي إلا لأمر عظيم يُخشى وقوعه وهو ما أخبر الله عنه بقوله: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}.

فإذا خشيت المرأة ألا تقيم حق الله في زوجها إما بكراهيتها الشديدة له التي لا تستطيع فيها أن تطيعه بل قد تعصيه, وتمتنع إذا دعاها لحاجته, وقد تسيء خلقها معه, فحينئذ لا يصلح أن تستمر هذه الأسرة وهي لا تقيم حدود الله التي أمرها بها, لأن الزوج إذا رأى من زوجته الإعراض والنشوز فهذا يدعوه إلى التقصير في حقها ومجازاتها بسوء فعلها ولهذا جاء التعبير في الآية بـ (يَخافا) ليدل على أن الخوف من القيام بحدود الله واقع من الزوجين.

فحينئذ أباح الله للزوجة أن تفتدي نفسها بأن ترد عليه ما أصدقها إياه. (٢)

ففي هذه الآية بيان أكيد لما في إقامة حدود الله من الأهمية وأنه لا حاجة لوجود أسرة بين المسلمين لا تقوم بحقوق الله, ولذلك فإن على أهل الحل والعقد من القضاة أو أقارب الزوجين أن يسعوا في هذا الخلع عند خوفهم من عدم القيام بحقوق الله.

وفي الآية إشارة إلى ذلك في قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}

فالخطاب في هذه الآية للحكام ومن يتوسط بين الناس في حل مشاكلهم أو الإصلاح فيما


(١) أخرجه أبو داود في سننه, كتاب الطلاق, باب في الخلع برقم (٢٢٢٦) , والترمذي في جامعه, كتاب الطلاق, باب المختلعات برقم (١١٨٧) , وابن ماجة في السنن, كتاب الطلاق, باب كراهية الخلع للمرأة برقم (٢٠٥٥) , وأحمد في المسند برقم (٢٢٤٣٣) وقال الأرناؤوط في تعليقه: حديث صحيح ورجاله ثقات رجال الصحيح. وابن حبان في صحيحه, كتاب النكاح باب معاشر الزوجين برقم (٤١٨٤) , والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي في كتاب الطلاق برقم (٢٨٠٩) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي, وصححه الألباني (انظر: إرواء الغليل ٧/ ١٠٠).
(٢) انظر: جامع البيان (٤/ ٥٥٢ , ٥٦٣) , التفسير الكبير (٦/ ١١٠) , الجامع لأحكام القرآن (٤/ ٧٤) , البحر المحيط (٢/ ٣١٤).

<<  <   >  >>