للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأخبر الله تعالى أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى وجعلهم أنسابا وأصهارا ثم جعلهم شعوبا وقبائل لحكمة أرادها جل وعلا من عباده ألا وهي التعارف (١).

وهكذا تتعارف العوائل ثم تتعارف القبائل, وهذا التعارف هو الذي تحصل به صلة الرحم وحسن المعاشرة والتواد والتحاب وتقوية أواصر القرابة, ولذلك فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - تعلم الأنساب لهذا المقصد النبيل, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر) (٢).

وقد بينت أول آية في سورة النساء هذا المعنى فإن الله تعالى ابتدأها بأنه خلق البشر من نفس واحدة ثم تكونت وشيجة الزواج, وكوّن من الزواج الأسرة الصغيرة, وهكذا تكونت الأسرة تلو الأسرة بنظام اجتماعي بديع تربطه روابط وثيقة, ولو شاء الله لخلقهم رجالا ونساء بلا روابط تربطهم أو وشائج تجمعهم.

ولذلك ختم الله الآية بالوصية بالأرحام (٣) فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)} [النساء: ١].

ولو لم يكن للمجتمع روابط تربطهم أو وشائج تجمعهم لم يكن للمجتمع الإنساني نظام يصلحه من المواساة والتعاون والاتحاد فيما بينهم. (٤)


(١) انظر: التحرير والتنوير (٢٦/ ٢٥٩) , روح المعاني (٢٦/ ١٦٢).
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (٨٨٥٥) , والترمذي في جامعه, كتاب البر والصلة, باب تعلم الأنساب برقم (١٩٧٩) , والحاكم في المستدرك, كتاب البر والصلة برقم (٧٢٨٤) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد, وصححه الألباني (انظر: صحيح الترغيب والترهيب ٢/ ٣٣٥).
(٣) كما روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة (انظر: تفسير القرآن العظيم ٢/ ٢٠٦).
(٤) انظر: التحرير والتنوير (١٥/ ٧٤).

<<  <   >  >>