للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)} [الأنعام: ١٤٥]

والمعنى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: لاأجد فيما أوحي إلي شيئا محرما على آكل يأكله مما تذكرون أنه محرم بزعمكم إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير, وهذا إعلام من الله عز وجل للمشركين الذين جادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في تحريم الميتة بما جادَلوهم به، أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرّمه الله، وأن الذي زعموا أنّ الله حرمه حلالٌ قد أحلَّه الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله عز وجل (١).

وهذا الرد على المشركين الذين ضيقوا على أنفسهم أرزاقهم بسبب اتباع أهوائهم يبين حسن هذه الشريعة التي جاءت بالتيسير على الناس ولم تحرم إلا ما هو فسق أو رجس وهذا التيسير هو بسبب اتباع الوحي.

ولما بين الله حال المشركين في تحريم ما أحل الله وأن الوحي لم يحرم ما حرموه غير ما ذكر من المحرمات الثلاثة وقت نزول الآية (٢)

, أخبر عن حال اليهود فقال: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (١٤٦)} [الأنعام: ١٤٦]. فهذا التحريم هو تحريم خاص بهم لحكمة خاصة بهم وهي التي أخبر الله عنها بقوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} فليس هذا التضييق عليهم المطعم والمشرب ظلما


(١) جامع البيان (١٢/ ١٩١).
(٢) اختلف المفسرون في هذه الآية على أقوال:

الأول: أنها منسوخة, الثاني: أنها محكمة ولا حرام من الحيوان إلا ما فيها, القول الثالث: أنها محكمة وكل ما حرمه رسول الله داخل فيها, القول الرابع: أنها محكمة وكل ما حرمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضموم إليها داخل في الاستثناء, القول الخامس: أن هذه الآية جواب لما سألوا عنه فأجيبوا عما سألوا وقت نزول الآية وقد حرم الله عز و جل ورسوله صلى الله عليه و سلم غير ما في الآية, وقد ذهب إلى هذا القول: النحاس, وبه فسّر الطبري هذه الآية ولم يذكر غيره, ورجحه الطاهر ابن عاشور (انظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ٤٣٢ - ٤٣٨, جامع البيان ١٢/ ١٩١, التحرير والتنوير ٨/ ١٤٠).

<<  <   >  >>