للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب بعض السلف إلى أن البغي والعدوان يراد به سفر المعصية وقطع الطريق والخروج على الإمام فمن هذه حالهم لا يجوز لهم أكل المحرم حال الاضطرار لأنهم خرجوا في معصية.

وعلى كل فالواجب على من رأى الهلاك أمام عينيه ثم ظهرت له رحمة الله حيث أباح له الخبيث حفظا عليه من الهلاك أن يسارع بالتوبة والرجوع إلى الله لا أن يقتل نفسه فيزداد إثما إلى إثم, فهذا التيسير هو مدعاة إلى التوبة والإنابة.

ومن تيسير الله كذلك في إباحة هذه المحرمات أن الضرر والخبث الذي في هذا الطعام لا يضر من أكله حال الضرورة, وذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية أشد من سمية الميتة فإذا أكل منها حينئذ لا يتضرر بإذن الله (١) وكذلك فإن النفس كلما اشتد عليها الجوع كان هضمها سريعا بحيث لا يتضرر الجسم بإذن الله (٢).

وهكذا تتجلى مظاهر التيسير في هذه الشريعة من جميع نواحيها فمن ابتغى التيسير في غيرها ضل, ومن أراد التشديد فيها كلّ, فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) (٣).


(١) فتح الباري (٩/ ٨٣٢) قال ابن حجر بعد ذكره لهذه الفائدة: وهذا إن ثبت حسن بالغ في غاية الحسن
(٢) تفسيرسورة البقرة , لابن عثيمين (٢/ ٢٥١).
(٣) سبق تخريجه (ص ٣١٠)

<<  <   >  >>