للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرعية, فليحذر صاحبها هذا العقاب (١) , لما في هذه المعاملات من الاعتداء والتجاسر على أمر الله, والظلم الواقع على عباده فعلى العبد أن يتحرى ما فيه نجاته وعتق رقبته من النار. وخير وسيلة لتجنب أكل المال بالباطل أن يتعلم العبد ما يهمه من هذه الأحكام, وأن يسأل من يثق بعلمه وتقواه من أهل الفتوى, حتى لايكون معتديا ظالما. (٢).

ومن المعاملات التي هدد الله فاعلها بسوء العقاب لما فيها من أكل مال الناس بالباطل: التطفيف (٣) في الميزان كما قال عز وجل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)} [المطففين: ١ - ٣].

فقد توعد الله المطففين بالهلاك والعذاب وقد وصفهم الله أنهم إذا اكتالوا على الناس يأخذون حقهم بالوافي الزائد أما إذا كالوا للناس فهم ينقصون منه (٤) وهذا من أعظم الظلم لأن عامة الناس محتاجون للمعاملات المبنية على الكيل والوزن, ولذلك عظّم الله أمر المكيال والميزان فقال: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)} [الرحمن: ٧ - ٩] ... وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥].

ولقد قص الله لنا في كتابه من ختم لهم بسوء العاقبة بسبب كفرهم بالله وبخسهم وتطفيفهم في الميزان, وهم أصحاب الأيكة, فقد قال لهم نبي الله شعيب عليه السلام: ... {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣)} [الشعراء: ١٨١ - ١٨٣]. ولكن حين عصوا واستكبروا وخالفوا أمر الله في ذلك سلط الله عليهم أشد أنواع العقاب فقد أخبر تعالى


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم, (٢/ ٢٦٨).
(٢) انظر: البحر المحيط, لأبي حيان (٣/ ٣٢٥).
(٣) الطاء والفاء يدلُّ على قِلّةِ الشيء. يقال: هذا شيءٌ طفيف. ويقال: إِناءٌ طَفَّانُ، أي ملآن. والتَّطْفِيف: نقص المكيال والميزان في الإيفاء والاستيفاء. قال بعض أهل العلم: إِنّما سمِّي بذلك لأنَّ الذي ينقصه منه يكون طفيفاً. انظر: معجم مقاييس اللغة, ابن فارس (٣/ ٤٠٢) , المفردات, الراغب الأصفهاني (ص ٣٠٥)
(٤) تفسير القرآن العظيم, (٨/ ٣٤٦).

<<  <   >  >>