قلت (٣٠٥) قد كمل شرحه في أواخر شعبان سنة اثنتين وأربعين ولله الحمد في اثنى عشر مجلدا كبارا واسمه «فتح الباري في شرح البخاري» وهو عجب لمن تأمله، جمع من المنقول والمعقول خزائن علم مع حسن النظم وصغر الحجم، وسلك فيه طريقا ما سبق إلى مثلها في هذا الكتاب بجميع طرق الحديث فيشرح بعضها بعضا، وبيّن ما في كل طريق من صحة أو سقم، وبيّن الألفاظ التي اختلف فيها رواة البخاري، ثم يأخذ كلام الشراح أولا فأولا إلى عصره، فيبيّن صواب المصيب ووهم الواهم، ومن أين جاءه الغلط، وكذا فعله في الفقه، لا يستروح في شئ من ذلك بل يأخذ أولا كلام الشافعي من كتبه، ثم كلام من بعده طبقة طبقة إلى زماننا فيطالع على عجائب من غلط يقع بتصرف في الكلام أو انتقال النظر عن بعض الكلام ونحو ذلك، ومن أحسنه: بيان أن الجماعة الكثيرة ربما كانوا بمنزلة شخص واحد يكون بعضهم أخذ من بعض فيفيد ذلك أنه ربما كان الأخذ بقول الاثنين أولى من الأخذ بقول الثلاثة فصاعدا لكون كل من الاثنين أدّاه نظره إلى ما أدّى إليه نظر الآخر من غير أن ينظر أحدهما كلام صاحبه بخلاف أولئك، ولقد حرص في هذا الشرح على رشاقة العبارة وإيجازها، مع الإيضاح والبيان، فهو جمع الكثير مع بلاغة واختصار ويتسع اختلاف العلماء في عطائه فربما وصل الأقوال في المسألة الواحدة إلى نيف وأربعين قولا، ويذكر الإعراب واللغة والبديع وغير ذلك من علوم العربية، وله مسلك بديع في عدم التكرار، لا يخلى موضعا من المواضع التي كرر فيها الحديث من فائدة تليق بذلك الموضع، ثم يشرحه الشرح اللائق به في الباب الأنسب له ويحمل عليه مضيا واستقبالا، فجاء باعتبار ذلك متساوي الأرباع، كلّ ربع في ثلاثة أسفار، ولم يقلد أحدا في عد الأحاديث والآثار، وبيّن سبب الغلط للمعارين. ولقد شاع أمره من حين الابتداء فيه، وتوجّهت همم الملوك ومن دونهم إلى تطلبه، وما أظن أنه اتفق
(٣٠٥) المتكلم هنا هو البقاعى وأمامها بخط غير خط الناسخ في تونس عبارة «كمل … سنة ٨٤٢.