للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فاق أهل العصر في كل ما يكون المدح: نسبه العقل الوافر، والاحتمال العظيم، والشفقة على عباد الله، والرحمة لهم، على شدة اليقظة والحزم، وسرعة الكتابة والكشف والفهم وقوّة الحافظة وصحة الجسم وبسط البنان، فهو عجب من عجب، كرمه متوال على سائر الأنام وكرّ الليالي، لم ير في زماننا أكرم منه.

حدّثنى الشيخ تقى الدين المقريزي أنه شاهده يهب-وهو صبىّ أمرد- المائتى درهم الفضة دفعة. انتهى.

ولم يزل يزداد كرما وإحسانا [وصدقة وإيثارا (٣٣٧) حتى أنه في السنة التي ختم فيها شرح البخاري أنفق ما ينيف على ألف دينار على الطلبة وأهل الخير وغيرهم شكرا لله تعالى على تلك النعمة، نعم رأينا من يتكرّم ويظهر علوّ الهمة لاستجلاب الناس فإذا حصل له مراده من الدنيا قطع ذلك، وأما شيخنا فهو لا يزداد مع العلوّ إلّا كرما وتواضعا مع آحاد الطلبة، وإحسانا] إليهم، حتى شاهدت بعض أصاغرهم يقول له عند البحث «لا نسلم لما ترى» من تواضعه.

رحلت إليه سنة أربع وثلاثين (٣٣٨)، ولم أزل ملازما له حتى كتبت هذه الترجمة في سنة ست وأربعين، فأقسم بالله ما مرّت بي سنة من تلك السنين إلا رأيته ازداد فيها تواضعا على أنى لم أزدد له إلّا مهابة، يزيده السّن وقارا ولينا ونفعا لعباد الله، وبرا وصبرا على الطلبة، جنابه مأوى طلاب (٣٣٩) الفضائل والفواضل الذي إليه يلجئون وعليه يعولون، وهو من غرائب الدهر في جميع أحواله، لقد نقلت إلينا أخبار أهل عصرنا شرقا ومغربا، واجتمعنا بغالب أعيانهم فلم نر من يقاربه، لا تشغله دنياه-على اتساعها-عن الاشتغال بالعلم والإفتاء والتصنيف والإسماع والتدريس وقيام الليل، وتعرّف الأخبار،


(٣٣٧) العبارة التي بين المعقوفتين غير واردة في نسخة السليمانية.
(٣٣٨) أمام هذه العبارة في هامش تونس العبارة التالية وإن كانت غير واضحة «رحل المؤلف إليه سنة ٨٣٤.
(٣٣٩) في السليمانية «طالب».

<<  <  ج: ص:  >  >>