للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يشغله شئ من ذلك عن دنياه، ما رأيت أحدا: شيخا ولا شابا إلّا وهو يتعجب من أحواله، ويشهد له بالبركة في أوقاته، وهو مع الحلم الزائد والتغافل عن الهفوات في غاية اليقظة والتّثبّت والحدس الصائب، والنظر الثاقب، فلا يسلم قياده لأحد في شيء [ممّا هو تحت نظره لخبرته بأحوال أهل العصر وأخلاقهم، ولا يخفى عليه] (٣٤٠) شيء من فنون مكرهم، وهو لأجل ذلك بديع الأفعال في أحكامه وقضائه وجميع أحواله، لا يستطيع أحد أن يغرّه في شيء أصلا ولا أن يقرب من ذلك، لا يقبل كلام أحد في غيبة خصمه، فهو آية في حسن القضاء، ومعرفة دسائس الناس في كلامهم، والاهتداء إلى قطع الأمور.

*** وله في المناظرة مسلك غريب قل أن يثبت له ذلك أحد، بلغني أنّ علّامة العصر قاضى القضاة شمس الدين البساطى كان يقول: «حيّرنا هذا الرجل، لا نشرع في ذكر شيء من العلوم أفنينا العمر فيها إلّا فهم المراد قبل تكميل الكلام، ثم يبتدئ فيه بعبارة أخرى بحيث يظنّ السامع المعنى غير المعنى، ويتمم القول في ذلك بأرشق كلام».

وبلغني أن الشيخ علاء الدين (٣٤١) الرومي-الآتي ذكره-سئل في بلاد الروم عن شيخنا فقال: هو رجل إن أردت أن تحتجّ عليه بحجة مبنية على عشرين مقدمة، ثم شرعت في ذكر المقدّمة الأولى فهم جميع تلك المقدمات وتلك الحجة، وشرع في الجواب عن ذلك.

ولما مات السلطان الملك الأشرف وعاثت مماليكه بالفساد ونابذوا السلطان الملك الظاهر جقمق ومن معه بالعداوة-لمّا كان نظام الملك-


(٣٤٠) ما بين المعقوفتين ساقط من السليمانية.
(٣٤١) علاء الدين الرومي هو علي بن عبد العزيز بن يوسف، الرومي الأصل الحلبي البانقوسي الحنفي ويعرف باليتيم، وهو صاحب الترجمة رقم ٣٦٣ فيما بعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>