لقد قدم البقاعى إلى مصر وتحققت أمنيته أن يكون بها، وأن يتصل بشيخ المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث الذي يسّر له سبل الحياة المرضية:
معيشية كانت أو علمية، وأفسح له في مجالسه التي كان يعقدها للإملاء والحديث والشرح إلى غير ذلك من الفنون التي برع فيها ابن حجر وشهد له الجميع بالسبق فيها.
واستقر البقاعى في مصر وتزوج فيها أكثر من مرة، وكان له أولاد وإن ماتوا صغارا، وكان قربه من مصادر الأحداث ميسرا له الحصول على قدر كبير من المعرفة بالتاريخ والأخبار، بل إنّ في مجالسته للملوك والسلاطين ما يشير إلى أنه حصل في بعض الأحيان على أخبار لم يتسنّ لغيره الحصول عليها، من ذلك ممّا ينقله من صورة الرسالة التي أرسلها السلطان محمد الثاني من خبر فتحه العظيم للقسطنطينية، وهو الكتاب الذي أرسله إلى السلطان المصري اينال ورد السلطان المملوكى عليه، وحسبنا هذه الإشارة الموجزة لننتقل إلى ناحية أخرى وهي ذكر بعض مؤلفاته وليست كلها.
إبراهيم البقاعى محدث ومفسر وفقيه وكاتب سير وتراجم ومؤرخ، وقد برز في الحديث والفقه والتفسير إلى حد كبير. وأما في التاريخ فشأنه شأن معظم كتاب عصره من رجال الطبقة الثانية في أنهم كانوا جماعا أكثر منهم محللين، فلقد حاول البقاعى الكتابة في شتى المواضيع السائدة في عصره والتي برز فيها رجال عدّوا من الطبقة الأولى في عصرهم ولا زالوا يحتلون هذه المكانة في كثير من المواضيع، وتفيض فهارس دور الكتب في بعض البلاد بما خلّف البقاعى، ومعظمه لم ير النور بعد، ولقد أشار كشف الظنون إلى أن له ديوانا سماه «الداعي بأشعار البقاعى» وجاء في وصفه بأن شعره «متوسط»، وشارك السيوطي حاجى خليفة في مثل هذا الحكم على شعر البقاعى إذ قال في نظم العقيان «إن شعر البقاعى كثير، والجيد منه وسط».