للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ورآه الإمام محب الدين بن الموحدى المالكي حثيثا على سماع الحديث وكتبه، قال شيخنا: فقال لي «اصرف بعض هذه الهمة إلى الفقه فإنني أرى بطريق الفراسة أن علماء هذا البلد سنقرضون، وسيحتاج إليك فلا تقصر بنفسك»، فنفعتنى كلمته ولا أزال أترحّم عليه بهذا السبب، ».

ولقد كان لعمري ما قاله ابن الموحدى [أثره]، فأطلق عنان عزمه نحو بقية العلوم فأكبّ عليها: الفقه والنحو والأصلين وعلوم الأدب والمعاني والبيان وغير ذلك حتى مهر فيها كلها.

وأجلّ من أخذ عنه المعقول والأدبيات علامة الدنيا الشيخ عزّ الدين بن جماعة، لازمه طويلا، وأخذ عنه علما جزيلا وما زال يرخى العنان حتى سبق شيوخ الأقران، فأسرج خيول أفكاره في ظلم الليالي، وغاص بحور العلوم حتى أحرز نفائس اللآلي، وفاز باتصال سموات المعالي في سن الشباب والتحصيل، وأجمل في إلحاف الطلب وفصل أوقاته لحفظ وبحث ودأب فنبذ المساوئ وسبق إلى أعالي الرتب فأحسن الإجمال والتفصيل.

وأول شيوخه في الفقه الشيخ شمس الدين القطان والشيخ نور الدين الأدمى ثم الشيخ برهان الدين الأنباسى ثم الشيخ سراج الدين البلقيني وهو أول من أذن له في التدريس والإفتاء، وتبعه غيره. وهو مع ذلك مقبل على علم الحديث وسماعه غير فاتر العزم منه، وملازم لأكابر مشايخه لا سيما أستاذه ومخرجه حافظ العصر الشيخ زين الدين العراقي، وهو أول من أذن له في التدريس في علوم الحديث في سنة سبع وتسعين، ولم يزل يمعن في ذلك حتى صار إمام الناس فيه، وتقدم على مشايخه في حياتهم، ووصفوه بالحفظ والإتقان والنقد والعرفان، وأرشدوا الناس إليه. وحضّوهم عليه، وقرظوا مصنفاته وأذاعوا حسناتها وحسناته، وشهدوا بأنها غاية، وأن إتقانها نهاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>