وراحوا ينكرون على من سواهم أن يكون ذا قدم راسخ فيه، ورآى هو فى الجوهرى رجلا قد تنوعت معارفه وقراءاته فأكبر هذه الناحية فيه ورشحه ليكون فى طليعة من أسهموا فى هذا المجال، ولكن السخاوى تجاهل ذلك كله فى الشيخ الأقصرائى وعرّض بالجوهرى، ولدينا نص صريح هو تقريظ بخط الأقصرائى ذاته، فقد علق على الجزء الثانى من نزهة النفوس والأبدان الذى وضعه ابن الصيرفى فى سيرة الرسول الكريم فقال إنه «نظر فى هذا المصنف البديع والعقد الفريد وتبصر واستفاد منه، وشكر مؤلفه حيث أنبأ ما عملته يداه بالاجتهاد ما فيه نفع لكافة العباد، جعله الله زادا لمعاده، ونشر علمه فى بلاده؛ من أقل عباد الله حرما، وأعظمهم جرما: يحيى بن محمد الأقصرائى الحنفى، عامله الله بلطفه الوفى الخفى، حامدا ومصليا ومسلما، وختم له وللمؤلف وللمسلمين بخير فى عافية بلا محنة» ويستفاد صراحة من كتابات الجوهرى أنه كان كثير الملازمة للكافيجى: محمد بن سليمان بن داود الرومى الحنفى، شديد الإعجاب به، وهو إعجاب التلميذ المقدر لأستاذه البارع، وربما تجلى هذا الإكبار فى أروع صوره فيما دونه عنه من إشارات وردت فى ثنايا كتابه «إنباء الهصر بأبناء العصر»، فما ترك الصيرفى اسم الكافيجى يمر دون أن يشيد به ويقدمه على من سواه، وإذا كان ابن حجر قد ملأ الأسماع فى النصف الأول من القرن التاسع للهجرة فقد شغل الكافيجى مايدانى هذه المنزلة فى النصف الثانى منه، فكانا شيخى العصر وإن اختلف ميدان كل منهما عن الآخر بعض الشئ، على أنهما تشابها فى ميدان الفقه والتاريخ.
والكافيجى نسبة إلى كافية ابن الحاجب لمداومته النظر فيها وقراءتها وإقرائها، ودفعه حب العلم إلى الرحلة من أجله، وكان قدومه إلى مصر زمن الأشرف برسباى ولقى ترحابا من علمائها وفقهائها كالسنباطى وابن حجر والبدر