وببعض الشيوخ الذين تردد عليهم وحضر مجالس إملائهم وطالع مؤلفاتهم وأجازوا له قراءتها؛ ونستدل من ثبت ما قرأه أنه حفظ بعض الكتب فى النحو كالألفية والخزرجية، ثم جود فى القراءات على الزراتيتى الذى كان «شيخ القراءة فى عصره دون منازع»، وليس من شك فى أن الجوهرى سار على نهج كتّاب عصره وطلاب المعرفة والعلم إذ ذاك فعنى بدراسة أصول الدين، وحسبنا أن نذكر من بين أساتذته فى هذا الفن الأقصرائى إمام السلطان الأشرف برسباى مما يشرف به برسباى، فقد سمع الأمين الأقصرائى هذا على شيوخ عصره فى مكة والقاهرة ومصر، كما ضرب بسهم وافر فى جملة من العلوم النقلية والعقلية كالنحو والأصلين والتفسير والمعانى والبيان والمنطق والأصول، كما أن معجم شيوخه حافل بالمئات ممن نبه بهم القرن الثامن فى ختامه وكذلك القرن التاسع فى نصفه الأول، ويصفه أحد المؤرخين بقوله:«إنه انثال عليه الفضلاء من كل مذهب فأخذوا عنه وارتحل الناس إلى لقياه … وقصد بالفتاوى فى النوازل الكبار وغيرها، ونفع الله به فى ذلك كله … وبالجملة فقل أن ترى العيون فى مجموعه مثله، وللناس فيه جمال». كما وصفه صاحب نظم العقيان بقوله «انتهت إليه رياسة الحنفية فى عصره مع الدين المتين والصلاح المفرط
والقيام فى نصرة الدين وإبطال المظالم ومراجعة الملوك، وهم يعظمونه ويقبلون قوله».
على يد الأمين أبى زكريا الأقصرائى هذا درس الجوهرى وأجازه الشيخ وأثنى عليه، وليس الأفصرائى بالرجل الذى يرتجى الجدوى من تلميذه حتى يكون متهما، وإنما كان له من علمه ودينه وورعه وخلقه وعمق دراسته ما ينزه معه عن أن يكون فى تزكيته لابن الصيرفى راجيا رفدا، وإنما هو رجل قد رآى غير الجوهرى من طلاب التاريخ قد بالغوا كل المبالغة فى الثناء على أنفسهم