للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مما حمل السيوطى على نعته «بالمؤرخ الجارح»، وهو نعت يحمل من المعانى ما تترجم عنه كتابات السخاوى، ويقول عنه فى ترجمته إياه: «أكب على التاريخ فأفنى فيه عمره وأغرق منه عمله، وسلق فيه أعراض الناس، وملأه بمساوئ الخلق وكل ما رموا به إن صدقا وإن كذبا» (١)، ولو وضعنا هذه الاعتبارات فى ذهننا لكان لنا أن نأخذ ترجمة السخاوى لعلى ابن داود ونقده له بكثير من الحذر، ولسنا نعرف علة سخط صاحب الضوء عليه إلا إذا فسرناها بغيرته منه لصحبته لشيخهما ابن حجر، فالمعروف أن «الجوهرى» قرأ عليه شرحه للنخبة وكذا ديوان خطبه، هذا بالإضافة إلى ملازمته لمجالس إملائه، على أنه من الأمور الهامة فى هذه الناحية - وأعنى بها صحبته للعسقلانى - أن «ابن حجر صلى خلفه بجامع الظاهر»، ولا مشاحة فى أن هذا للوقف من ابن حجر تجاه الجوهرى قد رفع من مكانة الأخير فى أعين الطلاب والفقهاء ورجال العلم إذ ذاك، وكان خير تزكية من «أمير المؤمنين فى الحديث وشيخ الإسلام ابن حجر»، وإذ لم يكن فى استطاعة السخاوى إنكار صلاة ابن حجر خلف الصيرفى فقد عقب عليها بقوله: «إن ذلك عظم على كثيرين» وهى عبارة تصور - على قصرها - مكانة ابن حجر من ناحية ومبلغ كراهية السخاوى بل وازدراءه للجوهرى من ناحية أخرى.

ولكن إذا لم يكن بين أيدينا سوى هذه الترجمة السخاوية فكيف يتسنّى لنا إذن أن نصور الجوهرى صورة تكاد تقترب من الحقيقة؟

الواقع أننا نعتمد فى هذا أيضا على السخاوى، ثم على نتف مبعثرة فى ثنايا كتابى ابن الصيرفى وهما «إنباء الهصر بأبناء العصر» و «نزهة النفوس والأبدان» وإذا كان الفضل ما شهدت به الأعداء وجرت به أقلام الخصوم وأجراه الله على السنتهم فإن صاحب الضوء قد ألم بالكتب التى قرأها الخطيب الجوهرى


(١) السيوطى، نظم العقيان، ص ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>