وأثنى على ابن الصيرفى من رفاقه: عبد الرحمن بن يحيى السيرامى الحنفى المعروف بسيف السيرامى، القاهرى المولد والنشأة والتربية، وهو إن لم يكن فى منزلة أبيه إلا أن ملازمته إباه لا سيما فى العلوم العقلية أتاحت له فرصة أن يضرب فيها بسهم وافر، وقدّر أهل عصره مكانته فجعلوه يخلف أباه فى مشيخة البرقوقية وكان لا يشغلها إلا من أصاب حظا كبيرا من علوم عصره وشهد له بالتقدم، ولقد أثنى سيف الدين هذا على صاحبنا ابن الصيرفى فوصفه «بمتانة التركيب ورصانة الترتيب».
***
كان الجوهرى فقيرا لم تمكنه ظروف الحياة مما هيّأته لسواه من أن يكون دانيا من أصحاب السلطان والإمرة فى مصر المملوكية إلا بقدر ضئيل وفى وقت لم يعد فيه للكتابة التاريخية حظ كبير من الإعجاب والتقدير، وكان إلى جانب هذا معيلا كثير الأولاد قليل ذات اليد، فاضطرته هذه الظروف القاسية لأن يلتمس العيش من شتى السبل ما بين العمل فى وظيفة «المكس» ونسخ كتب غيره من معاصريه وسابقيهم، وكان ينسخ بعضها لنفسه وأكثرها للبيع لمعيشة أطفاله، وسنجد اختلافا واضحافى خطه فى نسخ هذين النوعين مما سنعرض له بعد قليل، كما أنه اشتغل فى بعض الأحيان بسوق الجوهر بين بالقاهرة، ولكنه كان اشتغالا غير موصول على الدوام وإن بدأ ذلك فى حياة أبيه والظاهر أنه لم يكن بالناجح فيه، وهو عمل ليس من شك كان لابد وأن يدر من الكسب والثراء على صاحبه ما يغنيه عن التماس العيش من طرق أخرى ويضمن له حياة مستقرة آمنة، لكن يبدو أنه قد أصابته حرفة الكتابة والتأليف فصرفته بعض الشئ عن الاهتمام بالعمل فى تجارة الجواهر التى حين أدرك فشله فيها انصرف عنها ويظهر لنا أيضا أن ماربحه فى هذا العمل قد ساعده على بناء «بعض الدور