للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحكر الشامى»، وكان المفروض أن تضمن هذه الدور له ولأولاده حياة فيها شئ من الطمأنينة على رزقهم ومعاشهم، لكن بتضح من كلام السخاوى أنه قد «آل أمره إلى أن نفد غالب مامعه»، وأتت هذه البطون الجائعة على كل مالديه من متاع ومال ودور، فلم يجد بدا من النيابة فى القضاء للحنفية بمصر وكان قد بلغ إذ ذاك الثانية والخمسين من عمره، وكانت نيابته للقضاء عن محب الدين بن الشحنة المتوفى سنة ٨٩٠ هـ، وهو الذى وصفه ابن حجر فى إنباء الغمر «بالعلامة»، وسماه ابن خطيب الناصرية «بشيخنا شيخ الإسلام»، ونستدل من مطالعة كتاب «إنباء الهصر» أن ابن الشحنة كان كثير الاصطحاب للجوهرى فى صعوده - مع بقية قضاة قضاة المذاهب الأخرى ونوابهم - لتهنئة السلطان قايتباى بالأعياد، وأحيانا بأوائل بعض الشهور الكريمة كالمحرم ورجب وشعبان ورمضان.

على أنه يبدو أن ما كان يكسبه من أجر عن نيابة الحكم للقاضى الحنفى ابن الشحنة لم يكن يكفيه هو وأولاده، ولذلك نراه خلال هذه الفترة بالذات يجلس ببعض الحوانيت، «وصار يكتب الدرر أو الإنباء أو غيرهما من تصانيف ابن حجر وغيره» وذلك كما يقول السخاوى «ليرتفق» ويعيش؛ ولم يقف الجوهرى عند هذا الحد بل نراه ينسخ عدة من مؤلفات أبى المحاسن و «ذيل رفع الإصر» للسخاوى وغير ذلك من كتب هذه الفترة، ولسنا ندرى أكانت كتابته هذه النسخ لنفسه أم للبيع، وإن كان الأمر الثانى فى معظمها هو الأرجح، ولعلها كانت لطلبة العلم أو لأصحاب السلطة ولذوى الجاه والثراء وعشاق الكتب وأصحاب الخزائن، وليس فى ذلك ما يشينه فما هو إلا طريق شريف لرجل لم يكن له من مورد يستطيع به وحده أن يكفى هذه الأفواه العدة من أبنائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>