ولما مات عنها الملك الأشرف برسباى لم يتزوج بها الملك الظاهر جقمق بعده، ونزلت من القلعة ومعها جهاز بنحو مائة ألف دينار، فسكنت بباب سر البيمارستان بجوار بيت والد كاتبه بقاعة المرحومة مرحبا أخت المقر المرحوم الزينى عبد الباسط، وصار على بابها طواشية وعندها عدة عجائز، ومن جملة من على بابها القاضى «هانى» الموقّع الآن، وكان إذ ذاك شابا من مجاورى جامع الأزهر يتردد للطواشية، فسأل أن يكون كاتبها فكان كذلك واستمر حاله ينمو ويزيد وركب الخيول واشترت له الوظائف والتواقيع، ولبس الأقمشة، ولبس الخف والمهماز، وجعل فى رقبته طوقا بعد أن كان من الفلاحين المجاورين بالجامع المذكور، وفى يده دق أخضر شاهدته، وصارت خوند المذكورة تبيع من قماشها وترهن وتقترض وتبذر وتبيع الغالى والعالى بالرخيص السافل وتقترض الدرهم بمثله، حتى ضيّعت جميع ما ملكته وصارت تقترض وتعطى، ثم صارت تقترض فلا تعطى، ثم صارت لا ترى أحدا يقرضها شيئا، وتزوجت بالقاضى شرف الدين التتائى الأنصارى وكانت تهواه وكان [هو] بضد ذلك، وهذا من الشقاوة عملا بقول الشاعر المجيد البليغ:
ومن السعادة تحبّ وأن تحبّ … وأن يحبّك من تحبّ
ومن الشقاوة أن تحبّ … فلا تحبّ ولا يحبّك من تحبّ
وأنفقت عليه أموالا فى ما تصنعه له من المآكل المفتخرة والمشارب المعطرة، ومع ذلك لم بفدها ذلك وطلّقها فكادت تتجئّن (١) وشكته إلى الأشرف