على أيدى الكثيرين من علماء عصره، أما فى طفولته ومستهل حياته فلا نكاد نقف على ذكر لمثل هؤلاء فيمن كان يختلف إليهم ابن الصيرفى، وربما كان لفقر أبيه دخل فى هذه المسألة وفى التقصير فى إتاحة الفرصة للصغير فى أن يتلقى من العلوم ما يتهيأ لمثل من كان فى سنه إذ ذك من أبناء ذوى الثروة والجاه ومن لديهم فضلة من المال ولهم حظ من الثروة والغنى، فلم يحد الأب لديه من المال ما يساعده على أن يهيئ لابنه علىّ فراغا يقرأ فيه الكثير من علوم اللغة وأصولها، ولكن يبدو أن الجوهرى الفتى أخذ نفسه بالدرس والتحصيل ما وسعه الجهد وإن يكن على غير خطة مرسومة، وأنه كافح فى سبيل لقمة العيش لنفسه أوّلا ثم لنفسه وأولاده فيما بعد معا كفاحا استلزم منه أن يقضى وقته فيما بين نظر فى كتب التاريخ يستوعبها إشباعا لرغبته، أو ينسخها للارتزاق.
ولقد انعكست قلة محصوله اللغوى فى أسلوبه فلم يستقم كما ينبغى أن يكون، ولم يستطع هو أن يرقى إلى مستوى أمثال ابن حجر والمقريزى والعينى، وعجز عن أن يجارى فى الأسلوب آخرين كالسخاوى والسيوطى.
وهو فى كتابته أقرب فى كثير من الأحيان إلى المصرية الدارجة، فإن أعوزه اللفظ الفصيح بادر إلى استعمال الدارج المألوف، بل وربما اشتق منه ما يحاول به شرح مقصوده، وهذه ظاهرة جديدة بالدراسة عند هذا المؤرخ حاول تقليده فيها - وربما عن غير قصد - ابن إباس، لكن لم يتأتّ لابن الصير فى السير إلى نهاية الشوط.
ومع استعمال ابن الصيرفى لكثير من الألفاظ العامية وكثرة لحنه وتصحيفه إلاّ أنه كان - على ما يبدو - لا يرى فى نفسه إلاّ مالكا لمقاليد اللغة والكتابة، يتمثل هذا فى نقده الشديد لأسلوب ابن تغرى بردى صاحب