بين يدى السلطان وأمره بذلك، وسبب ذلك أن أحدهما كان مسجونا بالمقشرة سنين وقد صار من فلاحى المقشرة، وعليه فى كل يوم قدر معلوم يخرج فى الحديد يستعطى ويحضر ما عليه إلى صاحب السجن، فلم يحصل له فى ذلك اليوم ما يوفى به المقرّر عليه، فأراد الهروب خوفا من الضرب والعصر وآلات العقاب، فحصل بينه وبين الجندار مشاجرة وضربا بعضهما. فأصاب الجندار ضربة فمات فقتلوا هذا به. والآخر نوتى حضر صحبته فى مركبه قمح وغير ذلك لشخص من التجار، فلما وصلا إلى البر تشاجرا فرمى التاجر فى البحر فغرق فقتل به.
وانقلبت أهل مصر من أهلها وتحوّلوا قبل وفاء البحر إليه بأيام عديدة إلى الروضة والجشر والجزيرة، وأظهروا مفاسد وقبائح لا يسعنا ذكرها، مع أن البحر كان فى العام الماضى أزيد من السنة بقريب ثلاثة أذرع، فحصل من فضل الله زيادة ثلاثة أذرع فى خمسة أيام، وصار البحر فى ثمانية عشر إصبعا من الذراع السادس عشر، فهرع الناس إلى الأماكن المقدم ذكرها وهى الروضة والجسر والجزيرة وغير ذلك، وأظهروا المفاسد والقبائح والزنا واللواط والخمر والحشيش وركوب البحر بالملاهى وما قدمناه، فقدّر الله أن نقص البحر إصبعا فى يوم الثلاثاء سادس عشر شهر تاريخه الموافق الحادى والعشرين من شهر مسرى، وأشاعوا أنه أوفى وأن السّتر علّق، وأن السلطان إما يباشر فتح فم الخليج بنفسه أو يأمر لأحد من أمرائه، فأصبح البحر بلا وفاء بل نقص، وأنه انقطع عليه مقطع الرمل بالجيزية وخرج الوزير لسده وصحبته جماعة من أعيان أخصاء الأمير الدوادار الكبير حفظه الله على المسلمين.
وفيه أعنى يوم الثلاثاء سادس عشره ضرب المحتسب - عامله الله بعدله قريبا بجاه سيد المرسلين - شخصا من السوقة يبيع التين ثلاث علقات: واحدة على مقاعده وأخرى على رجليه وواحدة على أكتافه،