للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشهره بالمدينة على عادته التى يفعلها عربّا مكشوف الرأس، ثم رسم بصلبه بذراعه على حانوته، وقررت يده الأخرى إلى ظهره ولطّخه عسلا وأوقفه فى الشمس، فتسلط عليه النحل والزنبور والذباب وقاسى من العقوبة مالا يوصف، وترددت إليه الرسائل بسببه فلم يقبل ذلك حتى إن رئيس الدنيا ابن مزهر الأنصارى كاتب السر الشريف - حفظه الله على المسلمين - مرّ وشاهد المحكّى عنه بهذا الوصف، واستمر إلى أن أطلقه بعد أذان العصر.

وسبب هذا الذى فعله معه أن رسله الذين هم من جهته وأقامهم كانوا إذا طلبوا البلص من فقير وامتنع ذكروا لأستاذهم عنه ما أرادوا، وهو سريع الحدّة سريع الغضب لا يتثبت فى الأحكام فيطلبه ويفعل به ما ذكر، وإلاّ فكل سوقة مصر يبيع بزيادة عمّا يأمر به المحتسب، حتى إذا نودى على الجبن بسبعة دراهم الرطل مثلا يبيعونه بثمانية بزيادة درهم، وكذا فى سائر البضائع حتى فى اللحم، ولقد تعدّى أذاء لكثير من خلق الله حتى الحجاج مع أنهم كانوا يخافون وقوع ذلك من أمير [الركب] الأول، فكانت سيرته منهم غاية ما يكون من الثناء عليه من الرفق بهم وملئه لهم القرب والذبّ عنهم، وسيرة أمير المحمل بضدّ ذلك، فحسبه الله بما يفعله مع عباده، وأقول ولو شاء ربك لفعلوه وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، وأقول إن رسله الذين من جهته صار كل واحد منهم بأقمشة حرير والصوف العال الغالى والنعال الخاص المزيّنة والعبيد والجوارى الذين للخدمة، والنفقات التى ينفقها كل يوم من لحوم وأعسال ودقيق وغير ذلك، بعد أن كان الواحد منهم لا يملك غير قميص وملوطة؛ وكان المضروب أو المطلوب لبيت المحتسب لا يفرم أكثر من نصف أو نصفين بالكثير، فصار الآن يغرم المائة والمائتين والثلاث مائة والأربع والخمسمائة.

ولقد وقع لى عنده مسألة فى أمر حكمت فيه وأراد أن يرجعنى عنه فما وافقته

<<  <  ج: ص:  >  >>