للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«تشبّه هذه بهذه أو مثل هذا بهذا؟» فقلت: «لا يا مولانا وإنما النبى مشرع ونحن أمته ومتّبعين (١) سنته»، فسكت عنّى والتفت إلى من حضر فى مجلسه من القضاة والأمراء وقال لهم: «القاضى عبّا لى هذا الجواب، ليس لى عنده شغل، مالى شغل إلا عند المملوك والغلام». فبادر الشيخ شمس الدين الأمشاطى الحنفى وقال لى: «إنت ثبت عندك بيّنة بالغيبة؟» فقلت:

«نعم» فقال: «من هم» قلت: «مذكورون فى صداقها» فقال: «أحضروهم» وأشار إلى الجندى بذلك، فأغلظ عليه الأمير الدوادار - حفظه الله - إذ ذاك وأمره بإحضارهم وإن لم يحضرهم ضربه ألف عصاة، وخرجوا على ذلك، فأقمنا إلى يوم الاثنين ثانى شهر جمادى الآخر، فطلبنى أيضا بعد ما أحضر البينة والمزكين وأمرنى بالتوجه، وضرب الغلام مائة شيب بالمقارع ومقترحا نحو المائتين، ورسم بإشهاره بالبلد على من يفتح البنات هو وأستاذه ويأخذ منهم ما لا يستحقه. وكانوا أنهوا إلى الأمير المذكور - أعز الله به الإسلام - أنه تسلط على البنت هو وأستاذه وصاروا يفعلون فيها ما لا يجوز فعله فهربت منهما فغضبت خالتها، وكتب عليها مسطور بغير حق، ثم طلب المملوك وأمر بنزع سلاريه فشفع فيه الحاضرون فى مجلس المقر الأشرف، ثم أمر أن توضع البنت على ظهره وينادى عليه فشفعوا فيه، ورسم بتوجههم لبيت القاضى الحنفى وتساءلوا معه ماذا يلزمه للبنت فوقع بينهما براءة بعد [أن] دفع الغلام لها أربعة دنانير، وصار لها فى البلد غوغاء؛ وفى الواقع فالذى فعله الأمير الدوادار - حفظه الله - مع هذا الغلام وأستاذه صدر من أهله فى محله، فإن هذا الجندى ساكن بحارة (٢) بهاء الدين قراقوش بمنزل شيخنا شيخ الإسلام ابن


(١) آثرت هذا الضبط من عندى رغم عاميته لمطابقته للنطق المصرى الدراج الذى كان يتكلم به المؤلف.
(٢) تنسب إلى الأستاذ بهاء الدين قراقوش الصلاحى الخادم الخصى بانى السور وقلعة الجبل، وكانت تسمى قديما بحارة الريحانية وهم طائفة من الجند الفاطميين اتخذوها محلة لهم حين بنى الفواطم القاهرة، انظر النجوم الزاهرة ٤/ ٤٩، ص ٣٨ حاشية رقم ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>