وكان ابن جنيبات حكم للمقر الشرقى الأنصارى فى أشياء من دور وغير ذلك فنفذها الجلال البكرى، ثم سأله عن حكمه فى المال الذى كان على قاضى القضاة محب الدين ابن الشحنة لتركة الناصرى فقال كلاما معناه إن ابن الشحنة أقبض ما كان عليه لمن يستحق قبض ذلك غير أنه بحيلة، وهو أنه صار يدفع له حريرا ومالا ويستعيده، فقال له السلطان نصره الله:«الحيلة صحيحة فى مذهبك؟» فقال: «نعم» فقال: «إعمل الشرع فى ذلك» وأقرّه عليه وطيب خاطره وأمره بالانصراف إلى حال سبيله، وكذا للإخميمى وقاضى الاسكندرية.
فلما انصرفوا من مجلس السلطان أشار الأكابر من أعيان الدولة على الجلال البكرى بتوجهه إلى بيت الأمير الدوادار الكبير لئلا يتحمل عليه، فتوجه هو والإخميمى وقاضى الاسكندرية لبيته، ووقفوا من تحت المقعد أيضا بين النقباء والعوام، وصار الأمير جالسا بالمقعد وعنده جماعة من المشايخ ونواب القضاة ما فيهم إنسان يقوم للجلال بل يتشاغلون عنه حتى إن ابن قمتى - رأس نوبة الأمير المذكور حفظه الله - أمره بالجلوس على دكة لطيفة تحت المقعد فجلس يسيرا، ثم إن الأمير حفظه الله أمر الجلال وابن الإخميمى بالتوجه لحال سبيلهما ورسم على ابن جنيبات قاضى الاسكندرية، وأمره أن يحضر البينة التى شهدت عنده حتى أثبت ونفذ له؛ فاستمر فى الترسيم، ثم عملت مصلحة الولد من المقر الشرفى الأنصارى، ووقع بينهما تبارى، ومن ثم عزل الشيخ جلال الدين المذكور نفسه من القضاء والحكم بين الناس واستمر معزولا بداره بطالا مقهورا يدرس ويفتى ويشغل بالعلم واستراح، فإن الشهود والوكلاء كانوا يحضرون إليه بالأشغال الصعبة يأخذون فيها الجمل من الأموال فيعطونه فيها أدنى شئ ويحملونه مالا يطيق حمله. فأراحه الله.
يوم الاربعاء رابعه خرج خام عظيم الدنيا وصاحب حلها وعقدها