الدنيا ابن مزهر الأنصارى قال له بحضورى:«أقم هذا الشهر وكلفتك وجميع ما تكلفته على السفر نرسله إليك»، وامتنع الزينى عبد الرحمن من ذلك الامتناع الكلى، فزاد عليه الألم لما سافر من تعب المحفة وسير الجمال فكان من موته ما كان، ودخل فى كان، والله المستعان. ولقد شق علىّ موته من وجوه ﵀، فإنه كان مفننا متضلعا بالعلوم، كثير التواضع، دائم البشر، طلق المحيا، فيه نخوة ومروءة ودين وزهد، وخلف زوجة وأخوين عالمين فاضلين هما الزينى عبد الرحمن المذكور والشيخ تقى الدين ووالدة وعدة جوار بيض ودنيا [١٦٨ ا] طائلة من نقد وقماش وكتب ووظائف وضياع ومرتبات وأملاك ودفن بتربة ذى الرئاستين المقر الأشرف الكريم العالى الزينى ابن مزهر الأنصارى كاتب السر حفظه الله فى يوم الاثنين ثالث عشر شهر تاريخه عشاء الآخرة كما قدمنا آنفا.
وسافر فى صبيحة هذه الليلة بعد أن توجه للسلطان نصره الله إلى الجيزة، واجتمع به وأنعم عليه بتعلقات أخيه وجهاته، وصنع له المقر الزينى ابن مزهر فى أول جمعة قراءة وغير ذلك من أنواع البر، حفظه الله على المسلمين وتقبل منه آمين.
يوم السبت ثامن عشره دار المحمل من الرملة والسلطان يشاهده من القصر، وركب معه قضاة القضاة ما عدا المالكى وأمير الركب الأول والجناب الشهابى أحمد بن الأتابك تنبك البردبكى الظاهرى وأمير المحمل برسباى أستادار الصحبة، وخلع عليهما على العادة، واستقر برسباى المذكور عوضا عن يشبك الجمال وأحمد عوضا عن آقبردى أحد الرؤس النوب الذى كان زوج خوند بنت يشبك وتزوج ببنت قاضى القضاة ولى الدين الصفطى، واستراح الحاج بل وبيت الله منهما - أعنى من يشبك وآقبردى لسوء سيرتهما وظلمهما