وفى يوم الاثنين تاسع عشره عين السلطان نصره الله عظيم دولته أمير سلاح الدوادار الكبير ومع ذلك - دامت سعادته وعلت كلمته - إلى البلاد الشامية، وعين معه أميرين من أمراء الألوف: برسباى قرا المحمدى الظاهرى وتنبك قرا الإينالى، وقيل إن تنبك سأل السلطان فى ذلك فرسم له، ثم إنهم أرسلوا قاصدا يكشف الأخبار ويعود سريعا وهو أزدمر سوس أحد الأمراء العشرات، وخرج خام عظيم الدولة المذكور فى يوم الخميس ثانى عشره واستمر مضروبا بالريدانية إلى أن يعود القاصد بالجواب.
وفى هذا اليوم خلع على قانصوه دوادار عظيم الدنيا أمير سلاح الدوادار الكبير واستقر متحدثا فى وظيفة الأستادارية الكبرى عوضا عن أستاذه وصار المجدى ابن البقرى فى خدمته كناظر الديوان أو ما أشبه ذلك حتى تحقق ما نسب إليه من خراب البلاد.
وفى هذه الأيام قبضوا على جمع كثير بالقاهرة من المنسيين والفلاحين والأرياف وأودعوهم الحديد وأرسلوهم إلى المقر الأشرف الأتابكى بسبب ما يعمره من القناطر بالجيزية ويصرف لهم أجرتهم وافية، فإن هذا أمر مهم وفيه عمارة البلاد، وكلما زاد البحر أتلف ما صنعوه، ومقصودهم أن يؤسسوا ويبنوا على الأساس فإن الماء كلما بنوا شيئا قلبه؛ وغرم السلطان على هذا البناء أموالا عظيمة: وبلغنى أن فى هذا البناء نحو ألفى رجل خارج عن مماليك المقر الأشرف الأتابكى، وفيه نحو مائتى معمار ومهندس، وأنهم احتاجوا مع ذلك إلى الرجال فدبروا حيلة وسمروا شخصا ونادوا عليه ببولاق:«هذا جزاء من يقتل النفس التى حرمها الله» فاجتمع الخلائق للتفرج عليه وصاروا خلفه فقبضوا عليهم ورموهم الحديد وجهزوهم إلى العمل، فهذه من العجائب والسلام.