الحفظ والسرد والتقرير، يسرد من صدره كأنما يقرأ من كتاب، هذا فى الفقه، وأما فى الأخبار والتواريخ والنوادر فكان بحرا عجاجا لا يكل ولا يمل، ويستحضر الوقائع الموافقة لكل مجلس يحضر فيه عند سلطان أو وزير أو أمير أو فقيه أو فقير.
[كان] مولده فى أول القرن [و] قرأ على العراقى والقمنى وغيرهما من الشيوخ، وأفتى ودرس وهو ابن ثلاثين سنة، وما رأيت أطيب من مفاكهته ولا أشهى من نوادره، [وكان] لطيفا ظريفا متواضعا معتقدا فى الفقراء والصالحين ومن يحضر إليه، وربما قال أو قيل عنه إنه اجتمع بالخضر ﵇، وله عصبيّة ومروة لمن يقصده، ويمشى فى حوائج الناس بنفسه إلى مصر وبولاق وغير ذلك عند الأكابر حتى يقضيها، بشوشا، يكتب على الفتوى إذا وقعت له وهو مار فى الطريق، وناهيك أن غالب فقهاء الشافعية وأعيانهم الموجودين بالديار المصرية قرأوا عليه، وكان ينفق كثيرا ولا يبقى شيئا.
استقر فى بداية أمره فقيه العزيز ابن الأشرف برسباى فعظم ورقى وأثرى وحسنت حاله ورتب له الجامكية واللحم والعليق وغير ذلك مما أنعم عليه من الرزق، ثم استقر إمامه ثم استقر فى مسجده: مدرسة المرحوم الزينى عبد الباسط ناظر الجيش من الواقف، ثم أخذ مشيخة سعيد السعداء فى دولة الظاهر خشقدم، وأخذ تدريس الفقه بالظاهرية برقوق وأخذ نظر الأحباس وقرر له الجوالى، وكان له فى كل سنة كامليتان بصمور: إحداهما عند ختم البخارى فى رمضان، والأخرى يوم العيد لوظيفة الأحباس، فنزل عن مشيخة الباسطية لولده الأصغر كمال الدين، وأما مشيخة الظاهرية فكتب بها لولد الشيخ جلال الدين الأكبر النظار عليها؛ وكذا مشيخة سعيد السعداء