للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسبقته تجارب في حياة الرسل والأمم السابقة، تمهد كلها لهذه الصورة الكاملة الأخيرة من الدين الواحد، الذي أراد الله أن يكون خاتمة الرسالات، وأن يظهره على الدين كله في الأرض.

فقوم موسى الذين أرسله الله إليهم آذوه، وانحرفوا عن رسالته، فضلُّوا، ولم يعودوا أمناء على دين الله في الأرض: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)} [الصف: ٥].

وإذن فقد انتهت قوامة قوم موسى على دين الله، فلم يعودوا أمناء عليه، فقد زاغوا بعدما بذلت لهم كل أسباب الاستقامة، فزادهم الله زيغاً، وأزاغ قلوبهم، فلم تعد صالحة للهدى .. وكيف يهدون وهم غير مهتدين؟.

وضلوا فكتب الله عليهم الضلال أبداً، والله لا يهدي القوم الفاسقين.

وبهذا انتهت قوامتهم على دين الله، فلم يعودوا يصلحون لحمل أمانة الدين والدعوة إليه، وهم على هذا الزيغ والضلال.

ثم تتابعت الرسل من بني إسرائيل، ثم أرسل الله عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم - ليقول لبني إسرائيل إنه جاء امتداداً لرسالة موسى - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً لما بين يديه من التوراة، وممهداً للرسالة الأخيرة، ومبشراً برسولها كما قال سبحانه: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)} [الصف: ٦].

فلم يقل لهم نبي الله عيسى أنه الله، ولا أنه ابن الله، ولا أنه ثالث ثلاثة، بل قال إنه رسول الله، إنه عبد الله، جاء بدين الله الذي هو منهج واحد في أصله، متعدد في صوره وفق استعداد البشرية وحاجاتها وطاقاتها.

فلما اختلف بنو إسرائيل في عيسى - صلى الله عليه وسلم - وآذوه، وانحرفوا عن عقيدة التوحيد، وضلوا عن شريعتهم، وأضلوا غيرهم، لم يعودوا صالحين لحمل الرسالة الإلهية للناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>