للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما ضلَّ الناس، وانتشر الظلم والفساد في الأرض، ونحيت شريعة الله من حياة الناس، فلم يعمل بها، وكان مقرراً في علم الله، أن يستقر دين الله في الأرض كاملاً شاملاً في صورته الأخيرة على يد رسوله الأخير.

فأرسل الله رسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - إلى البشرية كافة إلى يوم القيامة: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩)} [الصف: ٩].

وقد وقفت بنو إسرائيل في وجه الدين الجديد، الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وقفة العداء والكيد والتضليل، وحاربوه بشتى الطرق والوسائل، وأعلنوها حرباً شعواء، لم تضع أوزارها حتى اليوم: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (٨)} [الصف: ٨].

ولقد ظهرت إرادة الله، فظهر هذا الدين على الدين كله.

ظهر في ذاته كدين، فما يثبت له دين آخر في حقيقته وصفائه، وشعائره وشرائعه، وأخلاقه وآدابه.

فأما الديانات الوثنية فهي هزيلة ليست بشيء؛ لأنها من أوهام البشر.

وأما الديانات الكتابية كاليهودية والنصرانية ونحوها، فهذا الدين الإسلامي خاتمها، وهو الصورة الأخيرة الكاملة الشاملة منها.

ولقد حرفت تلك الديانات .. وبدلت .. وشوهت .. ومزقت .. وزيد فيها ما ليس منها .. ونقصت من أطرافها .. وكتم بعضها .. وانتهت لحال لا تصلح معه لشيء من قيادة الحياة .. لا في العقيدة .. ولا في الشعائر .. ولا في الشرائع.

وحتى لو بقيت من غير تحريف ولا تشويه فهي نسخة سابقة لم تشمل كل مطالب الحياة المتجددة أبداً، لأنها جاءت في تقدير الله لأمد محدود، ولجيل محدود.

أما من ناحية واقع الحياة، فقد صدق الله وعده، فظهر هذا الدين قوة وحقيقة ونظام حكم على الدين كله.

فقد دانت له معظم الرقعة المعمورة من الأرض في مدى قرن من الزمان .. ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>