للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا ما اعتز ذو علم بعلم ... فأهل الفقه أولى باعتزاز

فكم طيب يفوح ولا كمسك ... وكم طير يطيرولا كباز

ولما كانت "الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك، والدليل عليه أمور:

أحدها: أدلة القرآن.

من ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (١) فنفي أن يقع فيه الاختلاف ألبتة، ولو كان فيه ما يقتضي قولين مخلتفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال.

وفي القرآن {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية (٢). وهذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف، فإنه رد المتنازعين إلى الشريعة، وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف، ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد، إذ لو كان فيه ما يقتضى الاختلاف لم يكن فيِ الرِجوع إليه رفِع تنازع، وهذا باطل.

وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (٣).

والبينات هي الشريعة، فلولا أنها لا تقتضي الاختلاف ولا تقبله ألبتة لما قيل لهم: من بعد كذا، ولكان لهم فيها أبلغ العذر، وهذا غير صحيح. فالشريعة لا اختلاف فيها.

والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلِى الشريعة كثيرة، كله قاطع في أنها لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد. قال المزنىُّ صاحب الشافعي: ذمّ الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة.

والثاني: أن عامة أهل الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة، وحذّروا من الجهل به والخطأ فيه، ومعلوم أن الناسخ والمنسوخ إنما هو


(١) النساء (٨٢).
(٢) النساء (٥٩).
(٣) آل عمران (١٠٥).

<<  <   >  >>